وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، فَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا كُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِحْضَارُهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ الْأَرْبَعَةَ، وَأَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَنَسَبَهُمْ إِلَى الْجَدِّ، وَذَكَرَ الْمَحَلَّةَ وَالْبَلَدَ، ثُمَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ، وَإِذَا صَحَّتِ الدَّعْوَى سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنِ اعْتَرَفَ أَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قَضَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا يُسْتَحْلَفُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُدَّعِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ
[[شروط الدعوى وحكمها]]
قَالَ: (وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ) لِأَنَّ الدَّعْوَى لِلْإِلْزَامِ، وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تُقْبَلُ.
(فَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى إِجْبَارُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إِيفَاءِ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إِلَّا إِذَا طَالَبَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ.
(وَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِحْضَارَهَا) لِيُشِيرَ إِلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَالشُّهُودِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْمُنْكِرُ عِنْدَ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ.
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا) لِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ فَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ، إِذْ هِيَ الْمَقْصُودُ غَالِبًا، وَيَذْكُرُ فِي الْقِيمَةِ شَيْئًا مُعَيَّنًا فِي قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَجِنْسِهِ نَفْيًا لِلْجَهَالَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا يَذْكُرُ الذُّكُورَةَ أَوِ الْأُنُوثَةَ.
(وَإِنْ كَانَ عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ الْأَرْبَعَةَ وَأَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَنَسَبَهُمْ إِلَى الْجَدِّ وَذَكَرَ الْمَحَلَّةَ وَالْبَلَدَ) لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ فَتَعَذَّرَ تَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ فَيُعَرَّفُ بِالْحُدُودِ وَيَبْدَأُ بِذِكْرِ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ ثُمَّ بِالْمَحَلَّةِ الَّتِي فِيهَا الْعَقَارُ ثُمَّ يُبَيِّنُ الْحُدُودَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَصْحَابِهَا وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ، وَفِي ذِكْرِ الْجَدِّ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا لَا يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ النَّسَبِ لِوُجُودِ التَّعْرِيفِ بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ ذِكْرُ الْحُدُودِ كَمَا مَرَّ.
قَالَ: (ثُمَّ يَذْكُرُ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا وَالْحَقُّ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِطَلَبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ رَهْنًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ، فَإِذَا طَالَبَهُ زَالَ الِاحْتِمَالُ، وَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي، وَلَا يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ.
قَالَ: (وَإِذَا صَحَّتِ الدَّعْوَى سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْحُكْمِ وَلِوُجُوبِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ، (فَإِنِ اعْتَرَفَ أَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قَضَى عَلَيْهِ) ؛ أَمَّا الِاعْتِرَافُ فَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: ١٤] أَيْ شَاهِدٌ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَيَانِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ، فَهِيَ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتَكْشِفُ صِدْقَ الدَّعْوَى فَيَقْضِي بِهَا، وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: (وَإِلَّا يُسْتَحْلَفُ) لِقَوْلِهِ