وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ، أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي، أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ أَوْ أَعَارَنِي أَوْ آجَرَنِي وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَالًا، وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعِ الْخُصُومَةُ.
فَصْلٌ
بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَمَنِ افْتَدَى يَمِينَهُ مِنْ خَصْمِهِ بِمَالٍ صَالَحَهُ عَلَيْهِ جَازَ وَسَقَطَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِحْلَافِ أَصْلًا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - افْتَدَى يَمِينَهُ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَ النَّاسَ بَلَاءٌ فَيَقُولُونَ هَذَا بِيَمِينِ عُثْمَانَ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ أَوْ أَعَارَنِي أَوْ آجَرَنِي وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا خُصُومَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَالًا) وَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ هُوَ خَصْمٌ ثُمَّ هُوَ بِإِقْرَارِهِ يُرِيدُ دَفْعَ الْخُصُومَةِ عَنْهُ فَلَا تُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَالًا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ فَالْجَوَابُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا يَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ يُودِعُهُ إِيَّاهُ، وَيُسَافِرُ احْتِيَالًا لِدَفْعِ الْحَقِّ، فَإِذَا عَرَفَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لَا يَقْبَلُهُ.
(وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ لَا نَعْرِفُهُ لَمْ تَنْدَفِعِ الْخُصُومَةُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْمُدَّعِي وَلَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ انْدَفَعَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمَجْهُولِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُمْكِنُهُ اتِّبَاعُهُ فَيَتَضَرَّرُ، وَصَارَ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَتُوجِبُ الْخُصُومَةَ، فَإِنْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ كَوْنَهُ مُودَعًا انْدَفَعَتِ الْخُصُومَةُ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَعْرِفُوهُ بِوَجْهِهِ احْتَمَلَ أَنَّهُ الْمُدَّعِي فَلَا تَنْدَفِعُ، وَإِذَا عَرَفُوهُ بِوَجْهِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ مُودَعٌ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي فَانْدَفَعَتِ الْخُصُومَةُ، كَمَا إِذَا عَايَنَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَوْدَعَهُ غَيْرُ الْمُدَّعِي، إِذِ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ كَمُعَايَنَةِ الْقَاضِي، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي أُودِعُهَا ثُمَّ أُوهَبُهَا مِنْكَ وَنَكَرَ يَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا وَهَبَهَا مِنْهُ وَلَا بَاعَهَا لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ صَارَ خَصْمًا، وَلَوِ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ آخَرَ فَهُوَ خَصْمُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَكَانَ خَصْمًا، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نِصْفُ الدَّارِ لِي وَنِصْفُهَا وَدِيعَةُ فُلَانٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ انْدَفَعَتِ الْخُصُومَةُ فِي الْكُلِّ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ.
[فصل بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ]
ِ) لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إِثْبَاتًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute