بَابُ الرَّجْعَةِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ، وَلِلزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: رَاجَعْتُكِ، وَرَجَعْتُكِ، وَرَدَدْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ، وَبِكُلِّ فِعْلٍ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِحْدَاهُمَا فَالَّتِي لَمْ يَطَأْهَا مُطَلَّقَةٌ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا حَرَامًا.
[بَابُ الرَّجْعَةِ]
وَهِيَ مَصْدَرُ رَجَعَهُ يُرْجِعُهُ رَجْعًا وَرَجْعَةً: إِذَا أَعَادَهُ وَرَدَّهُ، يُقَالُ: رَجَعْتُ الْأَمْرَ إِلَى أَوَائِلِهِ: إِذَا رَدَدْتَهُ إِلَى ابْتِدَائِهِ. قَالَ:
عَسَى الْأَيَّامُ أَنْ يُرْجِعْ ... نَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا
وَفِي الشَّرْعِ: رَدُّ الزَّوْجَةِ إِلَى زَوْجِهَا وَإِعَادَتُهَا إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا.
قَالَ: (الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] وَالْبَعْلُ هُنَا الزَّوْجُ، وَلَا زَوْجَ إِلَّا بِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَقِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ يُوجِبُ حَلَّ الْوَطْءِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلزَّوْجِ حَقَّ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمَنْكُوحَةِ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ زَائِدًا مَا دَامَتِ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً فَيَحِلُّ الْوَطْءُ.
قَالَ: (وَلِلزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا) لِمَا تَلَوْنَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] أَيْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ قَبْلَهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] وَالْمُرَادُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ: «مُرِ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا» .
قَالَ: (وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهِ: رَاجَعْتُكِ، وَرَجَعْتُكِ، وَرَدَدْتُكِ، وَأَمْسَكْتُكِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ.
قَالَ: (وَبِكُلِّ فِعْلٍ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] ، وَالْإِمْسَاكُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَاسْتِبْقَاؤُهُ، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَتِ الرَّجْعَةُ بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَلَا يَجِبُ فِيهَا مَهْرٌ وَلَا عِوَضٌ، لِأَنَّ الْعِوَضَ إِنَّمَا يَجِبُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْبُضْعِ، وَالْبُضْعُ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ نِكَاحًا مُبْتَدَأً لَوَجَبَ، وَالْخَلْوَةُ لَيْسَتْ بِرَجْعَةٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّجْعَةِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا.
وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ فَلَا يَصِحُّ بِالتَّعْلِيقِ كَإِسْقَاطِ الْخِيَارِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي