كِتَابُ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ أَمَانَةٌ إِذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ، وَمَنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ نَهَاهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الرِّبْحَ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمُضَارَبَةَ جَدِيدَةٌ، وَالْأُولَى قَدِ انْتَهَتْ فَانْتَهَى حُكْمُهَا، وَلَوْ مَرَّ الْمُضَارِبُ عَلَى السُّلْطَانِ فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كُرْهًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا لِيَكُفَّ عَنْهُ ضَمِنَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُمُورِ التِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الْعَاشِرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَصَالَحَهُ الْمُضَارِبُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ حَتَّى كَفَّ عَنْهُ ضَمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]
ِ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ، يُقَالُ: دَعْ هَذَا: أَيِ اتْرُكْهُ ; وَمِنْهُ الْمُوَادَعَةُ فِي الْحَرْبِ ; أَيْ أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الْحَرْبَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَيُخْتَمَنَّ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيُكْتَبُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» أَيْ تَرْكِهِمُ الْجَمَاعَاتِ. وَمِنْهُ الْوَدَاعُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ صَاحِبَهُ وَيُفَارِقُهُ، أَوْ هِيَ مِنَ الْحِفْظِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ وَدَاعِ الْمُسَافِرِ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ» ; أَيْ أَسَتَحْفِظُ اللَّهَ: أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ حِفْظَهُمَا، فَكَأَنَّ الْوَدِيعَةَ تُتْرَكُ عِنْدَ الْمُودَعِ لِلْحِفْظِ، وَلِهَذَا لَا يُودَعُ عَادَةً إِلَّا عِنْدَ مَنْ يُعْرَفُ بِالْأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ.
وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ أَمَانَةً لَا غَرَامَةً، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَيَجِبُ حِفْظُهَا عَلَى الْمُودَعِ إِذَا قَبِلَهَا ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحِفْظَ بِالْعَقْدِ، وَالْوَدِيعَةُ تَارَةً تَكُونُ بِصَرِيحِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَوْدَعْتُكَ وَقَوْلُ الْآخَرِ قَبِلْتُ، وَلَا يَتِمُّ فِي حَقِّ الْحِفْظِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَيَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الْأَمَانَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ أَوْدَعْتُكَ الْمَغْصُوبَ بَرِئَ عَنِ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ; لَأَنَّ صَيْرُورَةَ الْمَالِ أَمَانَةُ حُكْمٍ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَالِ لَا غَيْرُ فَيَثْبُتُ بِهِ وَحْدَهُ ; فَأَمَّا وُجُوبُ الْحِفْظِ فَيَلْزَمُ الْمُودَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ، وَالدَّلَالَةُ إِذَا وَضَعَ عِنْدَهُ مَتَاعًا وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ صَارَ مُودَعًا حَتَّى لَوْ غَابَ الْمَالِكُ ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ فَضَاعَ ضَمِنَ ; لِأَنَّهُ إِيدَاعٌ وَقَبُولٌ عُرْفًا.
قَالَ: (وَهِيَ أَمَانَةٌ إِذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الضَّمَانُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِهَا وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، وَلِمَا رَوَيْنَا مِنَ الْحَدِيثِ.
قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ وَإِنْ نَهَاهُ) ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَحْفَظَهَا بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ، وَذَلِكَ بِالْحِرْزِ وَالْيَدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute