للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحُدُودِ

وَهِيَ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالزِّنَا: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَالنَّحْرُ مِثْلُهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْلُ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ وَرَدَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالتَّعَبُّدِ، وَالْقَتْلُ لَمْ يَرِدْ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ وَالِانْتِقَامِ وَالنَّهْيِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ الشَّاةِ بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَا يَصِحُّ فَهَذَا أَوْلَى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْحُدُودِ]

وَهُوَ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ لِمَنْعِهِ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ، وَحُدُودُ الْعَقَارِ: مَوَانِعُ مِنْ وُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ، وَأَحَدَّتِ الْمُعْتَدَّةُ: إِذَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا مِنَ الْمَلَاذِّ وَالتَّنَعُّمِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَاللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدٌّ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعَانِيَ الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ. وَحُدُودُ الشَّرْعِ: مَوَانِعُ وَزَوَاجِرُ عَنِ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا.

(وَ) فِي الشَّرْعِ (هِيَ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) وَفِيهَا مَعْنَى اللُّغَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْقِصَاصُ لَا يُسَمَّى حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعِبَادِ، وَكَذَا التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ، وَآيَةُ الْمُحَارِبَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالسُّنَّةُ حَدِيثُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَالْعَسِيفِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْأَبْوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ أَنَّ الطِّبَاعَ الْبَشَرِيَّةَ وَالشَّهْوَةَ النَّفْسَانِيَّةَ مَائِلَةٌ إِلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَاقْتِنَاصِ الْمَلَاذِّ وَتَحْصِيلِ مَقْصُودِهَا وَمَحْبُوبِهَا مِنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَا وَالتَّشَفِّي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِالشَّتْمِ وَالضَّرْبِ خُصُوصًا مِنَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَمِنَ الْعَالِي عَلَى الدَّنِيءِ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ شَرْعَ هَذِهِ الْحُدُودِ حَسْمًا لِهَذَا الْفَسَادِ، وَزَجْرًا عَنِ ارْتِكَابِهِ لِيَبْقَى الْعَالَمُ عَلَى نَظْمِ الِاسْتِقَامَةِ، فَإِنَّ إِخْلَاءَ الْعَالَمِ عَنْ إِقَامَةِ الزَّاجِرِ يُؤَدِّي إِلَى انْخِرَامِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَمِنْ كَلَامِ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ: الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ.

قَالَ: (وَالزِّنَا: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعُمُومِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الزِّنَا، فَإِنَّهُ مَتَى قِيلَ فُلَانٌ زَنَا، يُعْلَمُ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَةً فِي قُبُلِهَا وَطْئًا حَرَامًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا فَسَّرَ الزِّنَا بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ حَرَامًا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ حَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ زِنًا؛ وَأَمَّا عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>