وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَحْرَهُ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَصَحَّ الْإِيجَابُ.
وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَقَدْ أَكَلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُتَكَلَّمِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقْضِي فِي الْفَصْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَمَا إِذَا نَذَرَتْ صَوْمَ غَدٍ فَحَاضَتْ؛ وَلَوْ قَدِمَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَضَاهُ وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ خَرَجَ صَحِيحًا.
وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَةٍ أَوْ صَوْمَ نِصْفِ يَوْمٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَصَامَ يَوْمًا، لِأَنَّ الرَّكْعَةَ صَلَاةٌ وَقُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا كَالْوَتْرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَوْمُ نِصْفِ يَوْمٍ قِرْبَةٌ كَإِمْسَاكِ غَدَاةَ الْأَضْحَى فَصَحَّ الْتِزَامُهُ ثُمَّ يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ وَإِتْمَامُهُ ضَرُورَةَ عَدَمِ التَّجَزِّي شَرْعًا، وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ أَرْبَعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ زُفَرَ؛ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِوُضُوءٍ لِأَنَّ إِيجَابَ أَصْلِ الصَّلَاةِ صَحِيحٌ وَذِكْرُ الْوَصْفِ بَاطِلٌ.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا صَحَّ خِلَافًا لَزُفَرَ وَلَزِمَتْهُ بِقِرَاءَةٍ مَسْتُورًا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَمَا ذَكَرَ قُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ كَالْأُمِّيِّ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَوْبٍ فَصَحَّ الْإِيجَابُ.
قَالَ: (وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَوْ نَحْرِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَكَذَا النَّذْرُ بِذَبْحِ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ وَفِي الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ الْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ. لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصِحُّ. وَلَهُمَا فِي الْوَلَدِ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ قِيَاسًا فَيَكُونُ سَمَاعًا، وَلِأَنَّ إِيجَابَ ذَبْحِ الْوَلَدِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيجَابِ ذَبْحِ الشَّاةِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ ذَبْحَهُ بِمَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الشَّاةِ بِالْحَرَمِ. بَيَانُهُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَبْحَ وَلَدِهِ بِقَوْلِهِ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢] وَأَمَرَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ حَيْثُ قَالَ: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] فَيَكُونُ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِنَا، إِمَّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣] أَوْ لِأَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلِنَا تَلْزَمُنَا حَتَّى يَثْبُتَ النَّسْخُ، وَلَهُ نَظَائِرُ: مِنْهَا إِيجَابُ الشَّيْءِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَإِيجَابُ الْهَدْيِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيجَابِ شَاةٍ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَإِذَا كَانَ نَذْرُ ذَبْحِ الْوَلَدِ عِبَارَةً عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ لَا يَكُونُ مَعْصِيَةً بَلْ قُرْبَةً حَتَّى قَالَ الْأَسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَشَايِخِ: إِنْ أَرَادَ عَيْنَ الذَّبْحِ وَعَرَفَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا يَصِحُّ وَنَظِيرُهُ الصَّوْمُ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي مَعْصِيَةٌ لِإِفْضَائِهِ إِلَى إِهْلَاكِهِ، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَجُعِلَ ذَلِكَ الْتِزَامًا لِلْفِدْيَةِ كَذَا هَذَا. وَلِمُحَمَّدٍ فِي النَّفْسِ وَالْعَبْدِ أَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمَا فَوْقَ وِلَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عَرَفْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْوَلَدِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِلَفْظِ الْقَتْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِلَفْظِ الذَّبْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute