للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ مُتَفَرِّقًا فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ بَاقِيَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ مُتَعَاقِبًا لَمْ يَحْنَثْ. حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا، وَإِنْ قَالَ: لَأَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِوَاحِدَةٍ. اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ مُفْسِدٍ فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً حَلَفَ لَيَهَبَنَّهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ، وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالْعَارِيَةُ وَالصَّدَقَةُ.

فَصْلٌ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

صَارَ الثَّمَنُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَتَقَاصَّانِ وَهُوَ طَرِيقُ قَضَاءِ الدُّيُونِ؛ وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ مَحْضٌ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ مِنَ الْحَالِفِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَهَرَبَ مِنَ الْغَرِيمِ لَمْ يَحْنَثْ.

قَالَ: (حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ مُتَفَرِّقًا فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبِضَ بَاقِيهِ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ جَمِيعِ دَيْنِهِ مُتَفَرِّقًا وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحَنْثِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنَ الْبَاقِي أَوْ وَهَبَهُ لَا يَكُونُ قَابِضًا لِلْكُلِّ (وَإِنْ قَبَضَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ مُتَعَاقِبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ وَزْنُ الْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنَ الْيَمِينِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَإِنِ اشْتَغَلَ بَيْنَ وَزْنَيْنِ بِعَمَلٍ آخَرَ حَنِثَ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسَ فَاخْتَلَفَ الدَّفْعُ.

قَالَ: (حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبِدًا لِأَنَّهُ نَفَى مُطْلَقًا فَيَعُمُّ.

(وَإِنْ قَالَ: لَأَفْعَلَنَّهُ بَرَّ بِوَاحِدَةٍ) لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الْإِثْبَاتِ فَيَبِرُّ بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهَ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِهَلَاكِ مَحَلِّ الْفِعْلِ إِذَا أَيِسَ مِنَ الْفِعْلِ.

قَالَ: (اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ مُفْسِدٍ فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الْفَسَادِ وَدَفْعُ الشَّرِّ بِالْمَنْعِ وَالزَّجْرِ، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ سَلْطَنَتِهِ وَوِلَايَتِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا، وَزَوَالُهَا بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلِ (حَلَفَ لَيَهَبَنَّهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ، وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالْعَارِيَةُ وَالصَّدَقَةُ) وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ.

[فَصْلٌ في النذر]

فَصْلٌ النَّذْرُ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ، أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلِمَا يُلَازِمْهُ مِنَ الْقُرْبِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا شَرْعِيَّتُهُ فَلِلْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِيفَائِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِ بِنَذْرِكِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» إِلَى غَيْرِهَا مِنَ النُّصُوصِ، وَعَلَى شَرْعِيَّتِهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِقُرْبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى مَنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ كَالْقُرَبِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَصِحُّ بِمَا لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَكْفِينِ الْمَيِّتَ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>