للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلِ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ، وَلَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ، أَوْ أَعَارَ فَلَمْ يُقْبَلْ حَنِثَ. حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إِلَى قَرِيبٍ فَمَا دُونَ الشَّهْرِ، وَبَعِيدٍ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهْرِ، وَإِنْ قَالَ: لَيَقْضِيَنَّهُ الْيَوْمَ فَفَعَلَ، وَبَعْضُهَا زُيُوفٌ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ، أَوْ مُسْتَحَقَّةٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ كَانَ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجَدُ مِنَ الْعَاقِدِ حَتَّى تَرْجِعَ الْحُقُوقُ إِلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ فَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ وَهُوَ الْعَقْدُ مِنَ الْحَالِفِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ الْحَالِفُ مِمَّنْ لَا يُبَاشِرُ الْعُقُودَ كَالسُّلْطَانِ وَالْمُخَدَّرَةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَعْتَادُ، وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ يُبَاشِرُ مَرَّةً وَيُوكِلُ أُخْرَى تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ.

قَالَ: (حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلِ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ، وَلَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ أَعَارَ فَلَمْ يُقْبَلْ حَنِثَ) لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَمْلِيكٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَيَكُونُ الْقَبُولُ رُكْنًا لِتَحْقِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبِ الْمُمَلِّكِ وَحْدَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْقَبُولِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ. قُلْنَا: الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ فَتُتِمُّ بِالْمُمَلِّكِ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ دُونَ وُجُودِ الْهِبَةِ، فَصَارَ كَالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَمَلُّكٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْقَرْضِ رِوَايَتَانِ، وَيَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَحْنَثُ فِيهِ إِلَّا بِالْقَبْضِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمِلْكُ وَهُوَ بِالْقَبْضِ. قُلْنَا: هُوَ بَيْعٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَلَى هَذَا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.

قَالَ: (حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إِلَى قَرِيبٍ فَمَا دُونَ الشَّهْرِ، وَبِعِيدٍ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَ الشَّهْرِ يُعَدُّ قَرِيبًا، وَالشَّهْرُ وَمَا زَادَ يُعَدُّ بَعِيدًا وَالْعِبْرَةُ لِلْمُعْتَادِ.

(وَإِنْ قَالَ: لَيَقْضِيَنَّهُ الْيَوْمَ فَفَعَلَ وَبَعْضُهَا زُيُوفٌ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ، أَوْ مُسْتَحَقَّةٌ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ إِلَّا أَنَّهَا مَعِيبَةٌ وَالْعَيْبُ لَا يَعْدَمُ الْجِنْسِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ، وَالْمُسْتَحَقَّةُ دَرَاهِمُ وَقَبْضُهَا صَحِيحٌ، وَبِرَدِّهَا لَا يَنْتَقِضُ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْيَمِينِ.

(وَلَوْ كَانَ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً حَنِثَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِدَرَاهِمَ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ سَتُّوقًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ فِضَّةً لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ مِنْ فُلَانٍ حَقَّهُ فَأَخَذَهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ كَفِيلٍ عَنْهُ بِأَمْرِهِ أَوْ مُحْتَالٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بَرَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ وَالْحِوَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَطْلُوبِ حَنِثَ، لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الدَّافِعَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْأَخْذُ مِنْ وَكِيلِهِ أَخْذٌ مِنْهُ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُقُوقَ الْقَضَاءِ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْمَأْمُورِ وَكَذَا كَفِيلُهُ بِأَمْرِهِ كَالْوَكِيلِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنِّ فُلَانًا حَقَّهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ أَوْ أَحَالَهُ فَقَبَضَ بَرَّ، وَلَوْ بَاعَهُ شَيْئًا وَقَبَضَهُ بَرَّ أَيْضًا، لِأَنَّ بِالْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>