للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَ فَرْضِهِ، وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ تُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ.

وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ (ف) فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ.

فَإِذَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَيَنْظُرُ فِي خَرَائِطِهِ وَسِجِلَّاتِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَلَّدَ إِنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْجِعُونَ إِلَى فَتْوَاهُ فِي حَوَادِثِهِمْ وَيَقْتَدُونَ بِهِ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى قَوْلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ ; وَالْفَاسِقُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ ; وَقِيلَ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَتَحَرَّزُ لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَى الْخَطَأِ.

قَالَ: (وَلَا يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلِ الْوِلَايَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ سَأَلْتَهَا وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنَّ أُعْطِيتَهَا أُعِنْتَ عَلَيْهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ طَلَبَ عَمَلًا فَقَدْ غَلَّ» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا عَدَلَ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ.

قَالَ: (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَحْذُورِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ الدُّخُولُ لِمَنْ يَدْخُلُهُ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» قِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا طَلَبَ، وَقِيلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَ فَرْضِهِ) لِأَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَّى عَلِيًّا وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَمَا وَلَّاهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ; وَقِيلَ الدُّخُولُ فِيهِ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكُ عَزِيمَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

(وَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ تَفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلَوِ امْتَنَعَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ; وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ وَامْتَنَعُوا وَالسُّلْطَانُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ لَمْ يَأْثَمُوا، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَثِمُوا، وَإِنِ امْتَنَعُوا حَتَّى قَلَّدَ جَاهِلًا أَثِمَ الْكُلُّ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ مِنْ وُلَاةِ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوهُ مِنَ الْحَجَّاجِ مَعَ جَوْرِهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إِقَامَةَ الْحَقِّ وَدَفْعَ الظُّلْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْهُ.

[قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ]

قَالَ: (وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ) إِلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَادَثَةِ الرِّجَالِ وَمَبْنَى أَمْرِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُتْرَكُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ إِلَّا حَوْلًا، لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ يَنْسَى الْعِلْمَ فَيَعْزِلُهُ السُّلْطَانُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَسْتَبْدِلُ بِهِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بِالدَّرْسِ.

[[ما ينبغي للقاضي أن يفعله بعد توليه]]

قَالَ: (فَإِذَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُؤْثِرَ طَاعَتَهُ وَيَعْمَلَ لِمَعَادِهِ وَيَقْصِدَ إِلَى الْحَقِّ بِجُهْدِهِ فِيمَا تَقَلَّدَهُ.

وَ (يَطْلُبُ دِيوَانَ الْقَاضِي الَّذِي قَبَلَهُ وَيَنْظُرُ فِي خَرَائِطِهِ وَسِجِلَّاتِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>