وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ بِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَذِي سَلَّمَهَا إِلَيْهِ، وَيَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْجَامِعِ أَوْلَى، وَيَتَّخِذُ مُتَرْجِمًا وَكَاتِبًا عَدْلًا مُسْلِمًا لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَتُجْعَلُ فِي يَدِ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِيَعْمَلَ بِهَا.
قَالَ: (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَارْتِفَاعِ الْوُقُوفِ بِمَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ.
(أَوْ بِاعْتِرَافِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
(وَلَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا عَمَلَ بِهَا.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي سَلَّمَهَا إِلَيْهِ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ فَيَكُونُ أَمِينًا فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ رَجُلَيْنِ مِنْ ثِقَاتِهِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي، فَيَقْبِضَانِ مِنَ الْمَعْزُولِ دِيوَانَهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَرَائِطِ وَالسِّجِلَّاتِ، فَيَجْمَعَانِ كُلَّ نَوْعٍ فِي خَرِيطَةٍ حَتَّى لَا يَشْتَبِهَ عَلَى الْقَاضِي، وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا لِيَنْكَشِفَ مَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا وَيَخْتِمَانِ عَلَيْهِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ بَلْ لِيَنْكَشِفَ بِهِ الْحَالُ، فَإِنْ أَبَى الْمَعْزُولُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمَا النُّسَخَ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنَ الْخُصُومِ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهَا فِي يَدِ الْعَامِلِ بِهَا، أَوْ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا، وَيَأْخُذَانِ الْوَدَائِعَ وَأَمْوَالَ الْيَتَامَى وَيَكْتُبَانِ أَسْمَاءَ الْمَحْبُوسِينَ وَيَأْخُذَانِ نُسْخَتَهُمْ مِنَ الْمَعْزُولِ لِيَنْظُرَ الْمَوْلَى فِي أَحْوَالِهِمْ فَمَنِ اعْتَرَفَ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أُلْزِمَهُ عَمَلًا بِالْحُجَّةِ، وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانًا الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ، فَمَنْ حَضَرَ وَادَّعَى عَلَيْهِ اِبْتَدَأَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، وَيُنَادِي أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يُخَلِّيهِ حَتَّى يَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ غَائِبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَعْزُولِ لَا يَكُونُ عَبَثًا.
قَالَ: (وَيَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَدَكَّةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ إِلَى الْآنَ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلْحُكْمِ» وَلِئَلَّا يُشْتَبَهَ عَلَى الْغُرَبَاءِ مَكَانُهُ.
(وَالْجَامِعُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَشْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءً خَرَجَ الْقَاضِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ فِي خُصُومَتِهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي دَابَّةٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِنْ جَلَسَ فِي بَيْتٍ جَازَ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَكُونُ الْأَعْوَانُ بِالْبُعْدِ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ لِلْخُصُومَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ قَرِيبًا مِنْهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالدِّيَانَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ.
قَالَ: (وَيَتَّخِذُ مُتَرْجِمًا وَكَاتِبًا عَدْلًا مُسْلِمًا لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْفِقْهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute