للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ.

كِتَابُ الْوَصَايَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَقَرَّرَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِتَصَادُقِهِمْ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ بِاعْتِرَافِهِ، وَتَعَذَّرَ إِيجَابُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ.

قَالَ: (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْحُرِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " وَلَا عَبْدًا " فِيمَا جَنَى عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ ; لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُمْ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَدْرَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا ضَمَانُ النَّفْسِ، وَمَا زَادَ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

[كِتَابُ الْوَصَايَا]

وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ، وَالْوَصِيَّةُ: طَلَبُ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْوَصِيِّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى مَصَالِحِهِ كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَالْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِ وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: فُلَانٌ سَافَرَ فَأَوْصَى بِكَذَا، وَفُلَانٌ مَاتَ وَأَوْصَى بِكَذَا.

وَالِاسْتِيصَاءُ: قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ اسْتَوْصَى مِنْ فُلَانٍ: إِذَا قَبِلَ وَصِيَّتَهُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيِ اقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ أَسْرَى عِنْدَكُمْ ".

(وَهِيَ) قَضِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَقُرْبَةٌ.

(مَنْدُوبَةٌ) دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] وَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّتِهَا، وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مَرِضَ بِمَكَّةَ فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أُخَلِّفُ إِلَّا بِنْتًا أَفَأُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبِنِصْفِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ; لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» أَيْ يَسْأَلُونَ النَّاسَ كِفَايَتَهُمْ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ تَضَعُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: " حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّتِهَا وَيَنْفِي وُجُوبَهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَصِيَّتُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى النُّدْبِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>