للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ مَئُونَةِ الْمُوصِي وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالثُّلُثِ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا بِغَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ (س) وَالْوَارِثِ تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَتُعْتَبَرُ إِجَازَاتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ وَالسَّلَفَ الصَّالِحَ أَوْصُوا، وَعَلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ حُقُوقٍ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِذَلِكَ، فَإِذَا عَجَزَ بِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ وَالْوَصِيُّ نَائِبٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَكَأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا فَيُنْدَبُ إِلَيْهَا وَتُشْرَعُ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ.

قَالَ: (وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ مَئُونَةِ الْمُوصِي وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالثُّلُثِ تَصِحُّ لِلْأَجْنَبِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا بِغَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِمَا رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْمُسْلِمِ وَلَا بِغَيْرِهِ.

قَالَ: (وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْقَاتِلِ وَالْوَارِثِ تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَا تَجُوزُ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلِلْوَارِثِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ ; لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمَالِ وَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ لِيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ مِنْهُ وَقَصَّرَ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ فَقَدْ رَضُوا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمْ فَيَصِحُّ.

(وَتُعْتَبَرُ إِجَازَتُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَيَصِحُّ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِحَقِّ بَاقِي الْوَرَثَةِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ لِوَارِثٍ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا إِقْرَارَ بِدَيْنٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ تُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ» ، وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْجَمِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا خَصَّ بِهِ الْبَعْضَ يَتَأَذَّى الْبَاقِي وَيُثِيرُ بَيْنَهُمُ الْحِقْدَ وَالضَّغَائِنَ وَيُفْضِي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَإِذَا أَجَازَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حِقْدَ وَلَا ضَغَائِنَ فَيَجُوزُ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ وَرَدَّ الْبَعْضُ جَازَ فِي حَقٍّ الْمُجِيزِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَجُوزُ إِذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ» ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فَقَتَلَهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِمَا قُلْنَا لِأَنَّ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَتْ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ تَجُزْ لِجِنَايَتِهِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ.

وَلَنَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ بُطْلَانَهَا نَفْعٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ كَبُطْلَانِهَا لِلْوَارِثِ وَبِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا أَجَازُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ فَيَسْقُطُ، وَكُلَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَأَجَازُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>