للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَطِيرَنَّ فِي الْهَوَاءِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ لِلْحَالِ. حَلَفَ لِيَأْتِيَنَّهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَهِيَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ. حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

[فصل انعقاد اليمين]

فَصْلٌ (حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَطِيرَنَّ فِي الْهَوَاءِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ لِلْحَالِ) ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَصَارَ كَالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً. وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ فَتَنْعَقِدُ إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا أَوْ مُتَوَهَّمًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَلَا مُتَوَهَّمًا لَمْ يَنْعَقِدْ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْأَعْيَانِ الْمُبَاحَةِ مُنْعَقِدٌ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ، وَبَيْعَ الْمُدَبَّرِ مُنْعَقِدٌ لِأَنَّهُ مُتَوَهَّمٌ دُخُولُهُ تَحْتَ الْعَقْدِ بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْعَاقِدِ، وَبَيْعَ الْحُرِّ لَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ وَلَا مُتَوَهَّمُ الدُّخُولِ فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَقْدُورِ وَالْمَوْهُومِ، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِ الْمَقْدُورِ وَالْمَوْهُومِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَقْدُورٌ مَوْهُومٌ يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ قَادِرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مَنْ صَعَدَ السَّمَاءَ وَالْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَنْزِلُونَ، وَإِذَا كَانَ مُتَوَهَّمًا انْعَقَدَتِ الْيَمِينُ ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ حُكْمًا لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً كَمَوْتِ الْحَالِفِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَخْرُجُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهَا.

قَالَ: (حَلَفَ لَيَأْتِيَّنَهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَهِيَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ) ، مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَمْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ، لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي الْعُرْفِ الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةِ الْآلَةِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ، وَإِنْ عَيَّنَ اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ، لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْآلِيَّةَ تَقُومُ بِالِاسْتِطَاعَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ.

قَالَ: (حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْحِنْثَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ إِذِ الْبِرُّ مَرْجُوٌّ قَبْلَهُ. حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ الْوُصُولُ إِلَى مَكَانِهِ دُونَ مُلَاقَاتِهِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَأُوَافِيَنَّكَ غَدًا فَهُوَ عَلَى اللِّقَاءِ، فَإِنْ أَتَاهُ فَلَمْ يَلْقَهُ حَنِثَ.

حَلَفَ لَا تَأْتِي زَوْجَتُهُ الْعُرْسَ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ وَأَقَامَتْ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْعُرْسَ أَتَاهَا لَا أَتَتْهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَأَعُودَنَّ فُلْانًا غَدًا فَعَادَهُ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بَرَّ، وَكَذَلِكَ الْإِتْيَانُ إِذَا أَتَاهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. حَلَفَ لَا تَذْهَبُ زَوْجَتُهُ إِلَى بَيْتِ وَالِدِهَا فَذَهَبَتْ إِلَى بَابِ الدَّارِ وَلَمْ تَدْخُلْ لَمْ يَحْنَثْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: حَلَفَ لَا أُرَافِقُ فُلْانًا فَهُوَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فِي الطَّعَامِ أَوْ شَيْءٍ يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَقَامُهُمَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةِ وَطَعَامُهُمَا لَيْسَ بِمُجْتَمِعٍ وَلَا يَأْكُلَانِ عَلَى خِوَانٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ بِمُرَافَقَةٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إِنْ كَانَ مَعَهُ فِي مَحْمَلٍ أَوْ كَانَ كِرَاهُمَا وَاحِدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>