حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا الرُّطَبُ إِذَا صَارَ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا، حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا وَدُبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ، وَمِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَعَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِي الْبَيْضِ، وَالشَّرَاءُ كَالْأَكْلِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنْزٍ حَنِثَ، لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ الْعَنْزَ وَغَيْرَهُ. وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ لَحْمُ الْجَامُوسِ فِي يَمِينِ الْبَقَرِ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا الرُّطَبُ إِذَا صَارَ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا) لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ دَاعِيَةٌ إِلَى الْيَمِينِ فَتَتَقَيَّدُ بِهِ، أَوْ نَقُولُ: اللَّبَنُ مَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِيَّةِ لَيْسَتْ دَاعِيَةً إِلَى الْيَمِينِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ لَحْمِهِ أَقَلُّ مِنَ الِامْتِنَاعِ عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ، وَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ صِفَةً دَاعِيَةً تَعَيَّنَتِ الذَّاتُ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرَتِهَا وَدُبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ) يُقَالُ لَهُ: سَيَلَانٌ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إِلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا، وَيَحْنَثُ بِالْجِمَارِ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِمَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ: كَالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدُّبْسِ الْمَطْبُوخِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا مَا يُوجَدُ كَذَلِكَ مُتَّصِلًا بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِهَا إِلَّا أَنَّهُ مُنْكَتِمٌ فَزَالَ الِانْكِتَامُ بِالْعَصِيرِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَعَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ) لِمَا مَرَّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً، لِأَنَّ عَيْنَ الشَّاةِ مَأْكُولٌ فَانْصَرَفَتِ الْيَمِينُ إِلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ.
قَالَ: (وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِي الْبَيْضِ) لِلْعُرْفِ، فَإِنَّ اسْمَ الْبَيْضِ عُرْفًا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الطَّيْرِ كَالدَّجَاجِ وَالْأُوَّزِ مِمَّا لَهُ قِشْرٌ، فَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ إِلَّا بِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ بَيْضٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَالشِّرَاءُ كَالْأَكْلِ) فَالْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ كَالْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ.
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاضْطَرَّ إِلَى الْمِيتَةِ وَالْخَمْرِ فَأَكَلَ، رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، إِلَّا أَنَّهُ مَرْفُوعُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُضْطَرِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، وَالْحَرَامُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُمَا وَإِنْ وُضِعِ الْإِثْمُ عَنْهُمَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِكْرَاهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْمَيْتَةَ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْأَكْلِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَثِمَ، وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا مَغْصُوبًا حَنِثَ، وَلَوِ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ مَغْصُوبٍ لَا يَحْنَثُ.