وَلَا عَقْلَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ، وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ، وَعَاقِلَةُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ، وَوَلَدُ الْمُلَاعِنَةِ تَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ، فَإِنِ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ خَمْسِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَمَا دُونَهَا فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَلَا عَقْلَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُعْقَلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تُؤَدَّى عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
(وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ) لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَسْتَنْصِرُ بِهِمْ.
قَالَ: (وَلَا يَعْقِلُ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا بِالْعَكْسِ) لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ، وَالْكُفَّارُ يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ; لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ مُعَادَاةٌ وَحِرَابٌ فَلَا يَتَعَاقَلُونَ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ) كَالْمُسْلِمِ لِالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِوُجُودِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسْلِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إِلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا وُجِدَتْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ.
(وَعَاقِلَةُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ عَقْدٌ يَتَنَاصَرُونَ بِهِ.
قَالَ: (وَوَلَدُ الْمُلَاعِنَةِ تَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَةُ أُمِّهِ) لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِمْ فَيَنْصُرُونَهُ.
(فَإِنِ ادَّعَاهُ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ عَاقِلَةُ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الدِّيَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ حَيْثُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَبَطَلَ اللِّعَانُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، فَقَوْمُ الْأُمِّ تَحَمَّلُوا مُضْطَرِّينَ عَنْ قَوْمِ الْأَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ قُضِيَ لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ.
قَالَ: (وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ خَمْسِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَمَا دُونَهَا فِي مَالِ الْجَانِي) لِمَا رُوِّينَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا. وَعَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا كَانَ تَحَرُّزًا عَنِ الْإِجْحَافِ وَهُوَ فِي الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ. وَالْقَدْرُ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْجَانِي إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) لِمَا رُوِّينَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ، إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا صَدَّقُوهُ فَقَدْ رَضُوا بِهِ فَيَلْزَمُهُمْ. وَلَوْ تَصَادَقَ الْقَاتِلُ وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَكَمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ وَكَذَّبَتْهُمَا الْعَاقِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا