للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يَضْحَكُ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا يُمَازِحُهُمَا، وَلَا أَحَدَهُمَا، وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إِلَّا الْعَامَّةَ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ هَمٌّ، أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ جُوعٌ، أَوْ عَطَشٌ، أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنِ الْقَضَاءِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْتُبَ مَا لَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا لَا يَعْرِفُ كَتَبَةَ السِّجِلَّاتِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَاضِي مِنَ الْأَحْكَامِ، وَيَجْلِسُ نَاحِيَةً عَنْهُ حَيْثُ يَرَاهُ حَتَّى لَا يُخْدَعَ بِالرَّشْوَةِ.

قَالَ: (وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ} [النساء: ١٣٥] أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا ابْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» وَفِي كِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِكَ وَوَجْهِكَ وَعَدْلِكَ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ فَقَالَ: حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَخَافُ ضَعِيفٌ جَوْرَكَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا فَضَّلَ أَحَدَهُمَا يَنْكَسِرُ قَلْبُ الْآخَرِ فَلَا يَنْشَرِحُ لِلدَّعْوَى وَالْجَوَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسُوا بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي جُثُوًّا وَلَا يُجْلِسُهُمَا فِي جَانِبٍ، وَلَا أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْخَصْمَانِ إِنْ شَاءَ بَدَأَهُمَا فَقَالَ مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ حَتَّى يَتَكَلَّمَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمَا أَسْكَتَ الْآخَرَ لِيَفْهَمَ دَعْوَاهُ.

قَالَ: (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا ; وَلِمَا فِيهِ مِنَ التُّهْمَةِ.

(وَلَا يَضْحَكُ لِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُجَرِّئُهُ عَلَى خَصْمِهِ.

(وَلَا يُمَازِحُهُمَا وَلَا أَحَدَهُمَا) لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِهَيْبَةِ الْقَضَاءِ.

(وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ.

قَالَ: " وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى لَهُ لِلْقَضَاءِ ظَاهِرًا فَكَانَ آكِلًا بِالْقَضَاءِ فَأَشْبَهَ الرَّشْوَةَ، بِخِلَافِ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُهَا، وَالْقَرِيبُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.

قَالَ: (وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إِلَّا الْعَامَةَ) كَالْعُرْسِ وَالْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَالْإِجَابَةُ سُنَّةٌ، وَلَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْعَشَرَةُ فَمَا دُونَهَا خَاصَّةٌ وَمَا فَوْقَهَا عَامَّةٌ، وَقِيلَ الْخَاصَّةُ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَعْمَلُهَا.

قَالَ: (وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ) لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَلَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنَ التَّكَلُّمِ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْخُصُومَاتِ.

قَالَ: (فَإِنْ حَدَثَ لَهُ هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ، أَوْ غَضَبٌ أَوْ جُوعٌ، أَوْ عَطَشٌ، أَوْ حَاجَةٌ حَيَوَانِيَّةٌ كَفَّ عَنِ الْقَضَاءِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>