للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

، وَيَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةُ: أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَا، فَإِذَا شَهِدُوا يَسْأَلُهُمُ الْقَاضِي عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمَزْنِيِّ بِهَا، فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ، وَذَكَرُوا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَشَهِدُوا بِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِهِ، فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ فَهُمْ قَذَفَةٌ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِالشُّبُهَاتِ» وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ، لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ مُلَامَسَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ غُسْلٍ وَكَفَّارَةٍ وَصَوْمٍ وَفَسَادِ حَجٍّ.

قَالَ: (وَيَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُمَا حُجَجُ الشَّرْعِ، وَبِهِمَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدَّعَاوِي، وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا الَّذِي رَمَوْهُمْ بِهِ يَثْبُتُ إِذَا أَتَوْا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالصِّدْقِ فِيهِ رَاجِحٌ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَبِهِ رَجَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَاعِزًا، وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ مُتَعَذِّرٌ فِي حَقِّنَا فَيَكْتَفِي بِالظَّاهِرِ الرَّاجِحِ.

(وَالْبَيِّنَةُ: أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَا) لِمَا تَلَوْنَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] شَرْطُ الْأَرْبَعَةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ.

(فَإِذَا شَهِدُوا يَسْأَلُهُمُ الْقَاضِي عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ وَالْمَزْنِيِّ بِهَا) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتُبِهَ عَلَيْهِ فَظَنَّ غَيْرَ الزِّنَا زِنًا، فَإِنَّ مَا دُونَ الزِّنَا يُسَمَّى زِنًا مَجَازًا، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ: «وَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ» . وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي زَمَانِ الصِّبَا، أَوْ فِي الْمُتَقَادِمِ مِنَ الزَّمَانِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ لَا يَعْرِفُهَا الشُّهُودُ، فَإِنْ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا: لَا نَزِيدُ عَلَى هَذَا لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعَةٌ وَمَا قَذَفُوا.

قَالَ: (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَذَكَرُوا أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَشَهِدُوا بِهِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَعُدِّلُوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِهِ) لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّعْدِيلِ ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَلَمْ يَكْتَفِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْحُدُودِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ.

(فَإِنْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعَةٍ فَهُمْ قَذَفَةٌ) يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ إِذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحَدَّ عِنْدَ عَدَمِ شَهَادَةِ الْأَرْبَعِ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>