للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ رَجَعُوا قَبْلَ الرَّجْمِ سَقَطَ وَحُدُّوا، وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ، وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَرُبُعُهَا، وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إِقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنِ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُمُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، وَإِنَّمَا تَتَمَيَّزُ الشَّهَادَةُ عَنِ الْقَذْفِ إِذَا وَقَعَتْ جُمْلَةً، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ فَاعْتَبَرْنَا اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا لَمْ يُحَدَّ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ.

قَالَ: (وَإِنْ رَجَعُوا قَبْلَ الرَّجْمِ سَقَطَ وَحُدُّوا) أَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَلِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ؛ وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ فَلِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ.

(وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا إِلَى قَتْلِهِ، وَالْمُتَسَبِّبُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَحَافِرِ الْبِئْرِ.

(وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَرُبُعُهَا) لِأَنَّهُ تَلَفَ بِشَهَادَتِهِ رُبُعُ النَّفْسِ؛ أَوْ نَقُولُ: بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَتِهِ رُبُعَ الْحَقِّ، وَلَا وَجْهَ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، وَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ مَعَ الدِّيَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ قَذَفَ حَيًّا وَمَاتَ فَبَطَلَ؛ وَإِنْ كَانَ قَذَفَ مَيَّتًا فَقَدْ رُجِمَ بِقَضَاءٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً. وَلَنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا تَصِيرُ قَذْفًا بِالرُّجُوعِ فَيُجْعَلُ قَاذِفًا لِلْمَيِّتِ حَالَةَ الرُّجُوعِ فَقَدْ بَطَلَتِ الْحُجَّةُ فَبَطَلَ الْقَضَاءُ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهَا فَلَا يُورَثُ شُبْهَةً؛ وَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ الْجَلْدِ فَالْحَدُّ لِمَا مَرَّ وَلَا يَضْمَنُونَ أَرْشَ السِّيَاطِ، وَكَذَلِكَ إِنْ مَاتَ مِنَ الْجَلْدِ.

وَقَالَا: يَضْمَنُونَ، وَإِنْ رَجَعَ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ رُبُعُ الْأَرْشِ، وَإِنْ مَاتَ فَرُبُعُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْجَلْدِ وَقَدْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ، فَكَانَ الشَّاهِدُ هُوَ الْمُوجِبَ كَمَا فِي الرَّجْمِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ وَالْمَوْتِ لَيْسَ مُوجِبَ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الْجَلْدَ قَدْ يُؤَثِّرُ وَلَا يُؤَثِّرُ، وَقَدْ يَمُوتُ مِنْهُ وَلَا يَمُوتُ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبَ الشَّهَادَةِ لَمَا انْفَكَّ عَنْهَا كَمَا فِي الرَّجْمِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبَ الشَّهَادَةِ لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ ضَمَانُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ إِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّاهِدِ وَلَا وَجْهَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا. أَوْ عَلَى الْجَلَّادِ وَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَجَاوُزَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمُعِينِ الْقَصَّارِ، وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ ضَرَرٌ جَلِيٌّ، أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا فَلَا يَجِبُ كَمَا قُلْنَا فِي الشَّاهِدِ.

قَالَ: (وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنًا مُتَقَادِمٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ إِقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنِ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَبَ فَقَالَ: " أَيُّمَا شُهُودٍ شَهِدُوا بِحَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَتِهِ فَإِنَّمَا هُمْ شُهُودُ ضَغَنٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ " وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَمَكَّنَتْ فِيهَا تُهْمَةٌ فَتَبْطُلُ. بَيَانُهُ أَنَّ الشُّهُودَ إِذَا عَايَنُوا الْفَاحِشَةَ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا شَهِدُوا بِهِ حِسْبَةً لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَإِنْ شَاءُوا سَتَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِ حِسْبَةً أَيْضًا، فَإِنِ اخْتَارُوا الْأَدَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ التَّأْخِيرُ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْحَدِّ حَرَامٌ، فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى السَّتْرِ حِسْبَةً حَمْلًا لَهُمْ عَلَى الْأَحْسَنِ، فَإِذَا أَخَّرُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>