وَيَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ يَرُدُّهُ الْقَاضِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَا يَرَاهُ، ثُمَ يَسْأَلُهُ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ إِلَّا عَنِ الزَّمَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَدُّ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ثُمَّ شَهِدُوا اتُّهِمُوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا شَهِدُوا لِضَغِينَةٍ حَمَلَتْهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُمْ لَا لِحِسْبَةِ السِّتْرِ ثَبَتَ فِسْقُهُمْ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي نَفْسَهُ فَلَا يُتَّهَمُ؛ ثُمَّ التَّقَادُمُ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَحَدُّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِحَّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَنْهَا فَيَكُونُ التَّقَادُمُ فِيهَا مَانِعًا؛ وَحَدُّ الْقَذْفِ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَلِهَذَا تَوَقَّفَ عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، فَالتَّقَادُمُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ، فَاحْتَمَلَ أَنَّ تَأْخِيرَهُمْ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى فَلَا يُتَّهَمُونَ فِي ذَلِكَ؛ وَلَا يَلْزَمُ حَدُّ السَّرِقَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ لِلْمَالِ لَا لِلْحَدِّ، لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ، وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي السِّرِّ وَالْخُفْيَةِ مِنَ الْمَالِكِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إِعْلَامُهُ، فَبِالتَّأْخِيرِ يَفْسُقُ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدُّ التَّقَادُمِ فَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ فِي ذَلِكَ وَفَوَّضَهُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: جَهِدْنَا بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُوَقِّتَ فِي التَّقَادُمِ شَيْئًا فَأَبَى، لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَعْذَارِ وَرَدَّهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. وَرَوَى الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ إِذَا شَهِدُوا بَعْدَ سَنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّنَةَ تَقَادُمًا وَلَمْ يَمْنَعْ مَا دُونَهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا شَهِدُوا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَهُوَ تَقَادُمٌ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَدِّرَ التَّقَادُمَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا. وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.
(وَيَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ يَرُدُّهُ الْقَاضِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَا يَرَاهُ ثُمَّ يَسْأَلُهُ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ إِلَّا عَنِ الزَّمَانِ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَدُّ) أَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَلِأَنَّهُمَا شَرْطٌ لِلتَّكَالِيفِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعِ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ فَأَقَرَّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَأَقَرَّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَعَادَ الرَّابِعَةَ فَأَقَرَّ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْآنَ أَقْرَرْتَ أَرْبَعًا فَبِمَنْ؟ " وَفِي رِوَايَةٍ: " فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَادَ» وَالْتَمَسُّكُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْحَدَّ لَوْ وَجَبَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لَمْ يُؤَخِّرْهُ إِلَى الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَدِّ إِذَا وَجَبَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا يَنْبَغِي لِوَالِي حَدٍّ أُتِيَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِقَامَتُهُ» . الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْآنَ أَقْرَرْتَ أَرْبَعًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْإِقْرَارُ أَرْبَعًا، هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ فَحْوَى هَذَا الْكَلَامِ. الثَّالِثُ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَقَرَّ الثَّالِثَةَ قَالَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute