للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ كَقَوْلِهِ لَهُ: لَعَلَّكَ وَطِئْتَ بِشُبْهَةٍ، أَوْ قَبَّلْتَ، أَوْ لَمَسْتَ. .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

إِنْ أَقْرَرْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الرَّابِعَةَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا تَوْقِيفًا.

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَرَفُوهُ شَرِيعَةً قَبْلَ رَجْمِ مَاعِزٍ؛ وَلِأَنَّ الزِّنَا اخْتُصَّ بِزِيَادَةِ تَأْكِيدٍ لَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْحُدُودِ إِعْظَامًا لِأَمْرِهِ وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ كَزِيَادَةِ عَدَدِ الشُّهُودِ وَالسُّؤَالِ عَنْ حَالِ الْمُقِرِّ، فَيُنَاسِبُ أَنْ يَخْتَصَّ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فِي الْأَقَارِيرِ أَيْضًا وَاشْتِرَاطُ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ يُؤَثِّرُ فِي جَمِيعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْإِقْرَارِ، وَالْمُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ مَجْلِسِ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَائِمٌ بِهِ دُونَ الْقَاضِي.

فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعًا عَلَى مَا وَصَفْنَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِمَاعِزٍ: " أَبِكَ دَاءٌ؟ أَبِكَ خَبَلٌ؟ أَبِكَ جُنُونٌ؟ فَقَالَ لَا، وَبَعَثَ إِلَى قَوْمِهِ فَسَأَلَهُمْ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» فَإِذَا عَرَفَ صِحَّةَ عَقْلِهِ سَأَلَهُ عَنِ الزِّنَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الشُّهُودِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَاعْتَقَدَهُ زِنًا، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَاعِزٍ: " لَعَلَّكَ لَمَسْتَ، لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، لَعَلَّكَ بَاشَرْتَ» ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَاعِزٌ النُّونَ وَالْكَافَ قَبِلَ إِقْرَارَهُ، وَيَسْأَلُهُ عَنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَاعِزٍ: " فَبِمَنْ "؟ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ وَطِئَ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا كَجَارِيَةِ الِابْنِ وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَنَحْوَهِمَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَيَسْأَلُهُ عَنِ الْمَكَانِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَسْأَلُهُ عَنِ الزَّمَانِ، لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الْإِقْرَارِ لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى حَالَةَ الصِّغَرِ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْحُجَّةِ وَلِمَا رَوَيْنَا.

قَالَ: (وَإِذَا رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ) لِأَنَّ رُجُوعَهُ إِخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ كَالْإِقْرَارِ وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ. فَتَحَقَّقَتِ الشُّبْهَةُ لِتَعَارُضِ الْإِقْرَارِ بِالرُّجُوعِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَذِّبُهُ فَلَا مُعَارِضَ لِإِقْرَارِ الْأَوَّلِ.

وَرُوِيَ: «أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا مَسَّهُ حَرُّ الْحِجَارَةِ هَرَبَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: هَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ» فَجَعَلَ الْهَرَبَ الدَّالَّ عَلَى الرُّجُوعِ مُسْقِطًا لِلْحَدِّ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ أَوْلَى.

(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ كَقَوْلِهِ لَهُ: لَعَلَّكَ وَطِئْتَ بِشُبْهَةٍ، أَوْ قَبَّلْتَ، أَوْ لَمَسْتَ) لِمَا رَوَيْنَا وَاحْتِيَالًا لِلدَّرْءِ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ: مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّلْقِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>