وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِيَمِينٍ كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ يَمِينٌ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقُدْرَةِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ الْقَادِرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ إِلَّا أَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْعِلْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، وَمَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ. قَالَ النَّسْفِيُّ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّهَا صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَالْحَلِفُ بِهَا حَلِفٌ بِاللَّهِ، وَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ: إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُرَادُ بِهَا غَيْرُ الصِّفَةِ، فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ حَالِفًا بِالشَّكِّ، فَالرَّحْمَةُ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْمَطَرُ وَالنِّعْمَةُ وَيُرَادُ بِهَا الْجَنَّةُ، قَالَ تَعَالَى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: ١٠٧] . وَالسَّخَطُ وَالْغَضَبُ يُرَادُ بِهِمَا مَا يَقَعُ مِنَ الْعَذَابِ فِي النَّارِ، وَالرِّضَا يُرَادُ بِهِ مَا يَقَعُ مِنَ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ فَصَارَ حَالِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قَالَ: (وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِيَمِينٍ كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ يَمِينٌ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا، وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمُ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ فَلْيَصْمُتْ» ، وَرُوِيَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ تَعْظِيمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِذَا لَمْ يَجُزِ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَارَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةً مُنِعَ مِنْ هَتْكِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، أَمَّا النَّبِيُّ وَالْكَعْبَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمَكْتُوبُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْقَرْءِ وَهُوَ الْجَمْعُ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الضَّمَّ وَالتَّرْكِيبَ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَادِثِ فَيَكُونُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرَ صِفَاتِهِ، لِأَنَّ صِفَاتِهِ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ أَزَلِيَّةٌ كَهُوَ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ كَلَامَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنَ اللُّغَاتِ، لِأَنَّ اللُّغَاتِ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ أَوِ اصْطِلَاحِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً، بَلْ هِيَ عِبَارَةً عَنِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ وَطَاعَةُ اللَّهِ وَشَرَائِعُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَعَرْشُهُ وَحُدُودُهُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْبَيْتُ وَالْكَعْبَةُ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْقَبْرُ وَالْمِنْبَرُ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْلِفُ إِلَّا بِاللَّهِ مُتَجَرِّدًا بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ. وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنْ ذَلِكَ فَيَمِينٌ كَقَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِنَ الْكَعْبَةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ، لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُفْرٌ، وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ أَوْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ مِنَ الْحَجِّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا وَلَا تُحِلُّهُ الشَّرِيعَةُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ إِذَا حَنِثَ، لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَحُرْمَةِ اسْمِهِ، وَمِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute