وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ. وَإِنْ قَالَ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مَشِيئَتُهُ كَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا، أَوْ إِلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ إِلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ (م ز) أَوِ الْقَفِيزِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ (م) أَوْ يُعَدُّ (ز) ، وَلَوِ اسْتَثْنَى ثَوْبًا أَوْ شَاةً أَوْ دَارًا لَا يَصِحُّ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَلَا بُدَّ مِنَ الِاتِّصَالِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ وَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حَنْثَ عَلَيْهِ» ، شَرْطُ الِاتِّصَالِ فِي الْمَشِيئَةِ وَأَنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ الْإِقْرَارِ لِمَا بَيَّنَّا، إِلَّا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَثْنَى يَبْطُلُ بِالِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِآخِرِهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْكَلَامُ فَقَدْ تَمَّ، وَلَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ، وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَّا دِرْهَمًا، فَيَلْزَمُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ؛ وَلَوْ قَالَ: إِلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ يَلْزَمُهُ خَمْسُونَ، وَعَلَى هَذَا.
(وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا بَاقِيَ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً، وَالرُّجُوعُ عَنِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَا فُلَانُ إِلَّا عَشَرَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِتَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ وَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِذَلِكَ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِقْرَارِ فَكَانَ الْإِشْهَادُ بَعْدَ التَّمَامِ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ إِقْرَارُهُ) لِمَا رَوَيْنَا.
(وَكَذَلِكَ إِنْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مَشِيئَتُهُ كَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ فُلَانٍ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ كَانَ كَذَا لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا، أَوْ إِلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ إِلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوِ الْقَفِيزِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ، وَلَوِ اسْتَثْنَى ثَوْبًا أَوْ شَاةً أَوْ دَارًا لَا يَصِحُّ) ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً. وَلَهُمَا أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ كُلَّهُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ نَظَرًا إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى الْأَعْيَانِ؛ أَمَّا الثَّوْبُ وَأَخَوَاتُهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الثَّوْبُ نَصًّا لَا قِيَاسًا، فَمَا يَكُونُ ثَمَنًا يَصْلُحُ مُقَدَّرًا لِلدِّرْهَمِ فَيَصِيرُ بِقَدْرِهِ مُسْتَثْنًى، وَمَا لَا فَلَا، فَيَبْقَى الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا شَيْئًا لَزِمَهُ نِصْفُ الْأَلْفِ وَزِيَادَةٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمُقَرِّ بِهِ غَيْرُ مَانِعَةٍ، فَفِي الْمُسْتَثْنَى أَوْلَى، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ شَيْءٌ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْقَلِيلِ عُرْفًا فَيَكُونُ أَقَلَّ مِنَ الْبَاقِي؛ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute