للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنِ اسْتُحِقَّ فِيهِ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ وَفِي الْبَعْضِ بِقَدْرِهِ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَنْهُ رَدَّ الْعِوَضَ، وَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ، وَهَلَاكُ الْبَدَلِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ (ف) ، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَعْلُومٍ، وَيَجُوزُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِهِ أَنْ لَا حَقَّ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْمَالَ لِئَلَّا يَحْلِفَ وَلِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ.

(وَإِنِ اسْتُحِقَّ فِيهِ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ وَفِي الْبَعْضِ بِقَدْرِهِ) ; لِأَنَّهُ مَا تَرَكَ الدَّعْوَى إِلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ رَجَعَ إِلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ الْبَدَلُ.

(وَإِنِ اسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَنْهُ رَدَّ الْعِوَضَ) وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ (وَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ) ; لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنَّمَا بَذَلَ الْعِوَضَ لِيَدْفَعَ الْخُصُومَةَ عَنْهُ، فَإِذَا اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ ظَهَرَ أَنْ لَا خُصُومَةَ فَبَطَلَ غَرَضُهُ فَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ، وَفِي الْبَعْضِ خَلَا الْمُعَوَّضَ عَنْ بَعْضِ الْعِوَضِ فَيَرْجِعُ بِقَدْرِهِ.

(وَهَلَاكُ الْبَدَلِ) قَبْلَ التَّسْلِيمِ (كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) قَالَ: (وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ مَجْهُولٍ) ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ (وَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَعْلُومٍ) ; لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

وَالصُّلْحُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مَعْلُومٌ عَلَى مَعْلُومٍ، وَمَجْهُولٌ عَلَى مَعْلُومٍ وَهُمَا جَائِزَانِ - وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِمَا -، وَمَجْهُولٌ عَلَى مَجْهُولٍ، وَمَعْلُومٌ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُمَا فَاسِدَانِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ; لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ يَكُونُ إِسْقَاطًا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِهِ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوِ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ لِرَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضِهِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا مَالًا إِلَى الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، وَإِنِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ جَازَ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّسْلِيمِ وَفِي الْأُولَى يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَوِ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا جَازَ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي، وَالْبَرَاءَةُ عَنِ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ لَكِنَّ الْبَرَاءَةَ عَنِ الدَّعْوَى تَصِحُّ، فَصَحَّحْنَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ.

قَالَ: (وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] نَزَلَتْ عَقِيبَ ذِكْرِ الْقِصَاصِ، وَمَعْنَاهُ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ دَمِ أَخِيهِ شَيْءٌ: أَيْ تَرَكَ الْقِصَاصَ وَرَضِيَ بِالْمَالِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] أَيْ يُتْبِعُ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ بِمَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِالدِّيَةِ، وَلَا يَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوبُ إِلَى الطَّالِبِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مُمَاطَلَةٍ، مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِ، وَهَذَا فِي الْعَمْدِ.

وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>