للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَجُوزُ عَنِ الْحُدُودِ، وَلَوِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَجَحَدَتْ ثُمَّ صَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ لِيَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ، وَلَوْ صَالَحَهَا عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ جَازَ، وَلَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ فَصَالَحَهَا جَازَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْمَالُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ، إِلَّا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ فِي الْعَمْدِ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ جَازَ ; لَأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ وَلَيْسَ بِمَالٍ، وَفِي الْخَطَأِ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ لَا يَجُوزُ ; لَأَنَّ الْوَاجِبَ الْمَالُ فَالزِّيَادَةُ رِبًا، وَهَذَا إِذَا صَالَحَهُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّيَةِ.

أَمَّا إِذَا صَالَحَهُ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ; لِأَنَّهَا مِنْ خِلَافِ الْوَاجِبِ فَلَا رِبًا.

وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَمَا لَا فَلَا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ، فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ ; لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصُّلْحِ فَلَغَى ذِكْرُ الْعِوَضِ فَيَبْقَى عَفْوًا.

وَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فَمَتَى فَسَدَ الْعِوَضُ رَجَعَ إِلَيْهِ كَمَا فِي النِّكَاحِ مَتَى فَسَدَ الْمُسَمَّى يَرْجِعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ النِّكَاحُ إِلَّا بِتَسْمِيَةِ غَيْرِهِ، فَإِذَا عُدِمَتِ التَّسْمِيَةُ أَوْ فَسَدَتْ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَمْدُ، وَلَوْ صَالَحَهُ بِعَفْوٍ عَنْ دَمٍ عَلَى عَفْوٍ عَنْ دَمٍ آخَرَ جَازَ كَالْخُلْعِ، وَلَوْ قَطَعَتْ يَدَهُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَدْ بَرَأَتْ يَدُهُ جَازَ ; لِأَنَّهُ صَالَحَهَا عَلَى أَرْشٍ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا وَسَقَطَ الْأَرْشُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَتْلِ فَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ، وَلَوِ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ فِي الْعَمْدِ وَبِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ وَقَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ، وَلَوْ وَجَدَ عَيْبًا يَسِيرًا رَدَّهُ فِي الْخَطَأِ وَلَا يَرُدُّ فِي الْعَمْدِ إِلَّا بِالْفَاحِشِ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ ; لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي الْخَطَأِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لِوُقُوعِهِ عَنْ مَالٍ، وَفِي الْعَمْدِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ; لِأَنَّهُ عَنِ الْقِصَاصِ وَقَدْ سَقَطَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى اسْتِرْدَادِهِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ عَنِ الْحُدُودِ) ; لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمُغَلَّبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَمَّا أَشْرَعَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ كَالظُّلَّةِ وَالرَّوْشَنِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَلَا يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهِ.

وَلَوْ صَالَحَهُ الْإِمَامُ فِي الظُّلَّةِ وَنَحْوِهَا جَازَ

إِذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ

وَيَضَعُ بَدَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا إِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

قَالَ: (وَلَوِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَجَحَدَتْ ثُمَّ صَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ لِيَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ) ; لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى وَجْهِ الْخُلْعِ وَيَكُونُ فِي حَقِّهَا لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ دِيَانَةً إِذَا كَانَ مُبْطِلًا (وَهُوَ صَالَحَهَا عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالنِّكَاحِ جَازَ) وَيَجْعَلُ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ ; لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً بِالْمُسَمَّى وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا (وَلَوِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ فَصَالَحَهَا) عَلَى مَالٍ (جَازَ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَجْهُ الْجَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>