وَإِذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إِلَيْنَا مُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا؛ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عَلَيْهِ (سم) ؛ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ تَصَدَّقَ بِهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنْ دَارِنَا زَالَتْ يَدُ الْمَوْلَى عَنْهُ وَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ سُقُوطَ يَدِهِ بِاعْتِبَارِ يَدِ الْمَوْلَى لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِيهِ مِلْكٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا، وَيُؤَدِّي عِوَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِ إِعَادَةِ الْقِسْمَةِ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْغَانِمِينَ، وَلَا جُعْلَ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْغَانِمَ إِنَّمَا عَمِلَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُهُ مِلْكَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُشْتَرًى أَوْ مَوْهُوبًا يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.
قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إِلَيْنَا مُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَسْلَمُوا) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِعِتْقِ عَبِيدٍ خَرَجُوا مِنَ الطَّائِفِ وَقَدْ أَسْلَمُوا، وَقَالَ: " هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِالْتِحَاقِهِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَدُهُ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عَلَيْهِ) وَقَالَا: لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا جَبْرَ فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ خَلَاصَ الْمُسْلِمِ عَنْ رِقِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ تَعَذَّرَ جَبْرُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَقَمْنَا تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ، كَمَا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَقَمْنَا مُضِيَّ ثَلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ.
قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ غَدْرًا بِهِمْ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ تَصَدَّقَ بِهِ) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَمْرٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ الْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ وَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، بِخِلَافِ الْأَسِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ.
وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ أَدَانَ حَرْبِيًّا أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ خَرَجَ الْمُسْلِمُ أَوِ اسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ لَمْ يَقْضِ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلَّذِي أَخَذَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ. وَأَمَّا الْمُدَايَنَةُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَنَا عَلَيْهِمَا وَقْتَ الْإِدَانَةِ وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا فِي الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيَّانِ إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ لِمَا بَيَّنَا، وَلَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِالدُّيُونِ دُونَ الْغَصْبِ لَمَا مَرَّ؛ أَمَّا الْغَصْبُ لِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِوُقُوعِهِ صَحِيحًا عَنْ تَرَاضٍ، وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِالْتِزَامِهِمَا أَحْكَامَنَا وَقْتَئِذٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute