للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ غَلَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا، وَلَا يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا مُكَاتَبِينَا وَمُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَأَحْرَارَنَا، وَإِنْ أَبَقَ إِلَيْهِمْ عَبْدٌ لَمْ يَمْلِكُوهُ (سم) ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

«أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ بَعِيرًا لَهُ فِي الْمَغْنَمِ قَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ مَا قُسِّمَ أَخَذْتَهُ بِالْقِيمَةِ إِنْ شِئْتَ» وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لَمَا أَوْجَبَ الْقِيمَةَ. «وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ الْعَدُوَّ غَلَبَ عَلَى نَاقَةٍ أَوْ بَعِيرٍ لِرَجُلٍ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " خُذْهُ بِالثَّمَنِ إِنْ شِئْتَ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُمْ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ.

وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِثْلُ مَذْهَبِنَا.

وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اشْتَرَى مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ اسْتِنْقَاذُهُ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ قَلْعًا لَهُمْ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالرَّدُّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِمْ فَلَزِمَهُمُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.

أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّذِي سُلِّمَ لِسَائِرِ الْغَانِمِينَ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَالِ فِي الرَّدِّ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْعِوَضَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ حَصَلَ لَهُ بِعَوَضٍ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ.

وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ عِوَضٌ مُسَمًّى فَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ كَمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا أَوْ صَارُوا ذِمَّةً أَوِ اشْتَرَاهُ حَرْبِيٌّ فَأَسْلَمَ أَوْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ فَهُوَ لَهُمْ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» ، وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ رَدُّوهُ عَلَى الْمَالِكِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ.

وَأَمَّا النُّقُودُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا قُلْنَا، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا أَخَذَهَا بِمِثْلِهَا وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ.

قَالَ: (وَإِنْ غَلَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْضًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) لِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، فَإِذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَأَخَذْنَاهَا مَلَكْنَاهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ.

قَالَ: (وَلَا يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا مُكَاتَبِينَا وَمُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَأَحْرَارَنَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْآدَمِيِّ الْحُرِّيَّةُ، وَالْحُرِّيَّةُ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ جَزَاءً عَنِ اسْتِنْكَافِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الرِّقَابِ بِنَاءٌ عَلَى الرِّقِّ وَلَا رِقَّ عَلَيْنَا، وَفِي الْمَالِ بِنَاءٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَالْكُلُّ فِيهِ سَوَاءٌ.

قَالَ: (وَإِنْ أَبَقَ إِلَيْهِمْ عَبْدٌ لَمْ يَمْلِكُوهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَمْلِكُونَهُ كَمَا إِذَا أَخَذُوهُ مِنْ دَارِنَا أَوْ فِي الْوَقْعَةِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>