فَالْعَمْدُ: أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ: كَالسَّيْفِ وَاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ وَالنَّارِ، وَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْقَوَدُ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ، أَوْ وُجُوبُ الْمَالِ عِنْدَ الْمُصَالَحَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَإِمَّا إِنْ كَانَ بِسِلَاحٍ وَمَا شَابَهَهُ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَ فَهُوَ الْعَمْدُ، إِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَإِمَّا إِنْ كَانَ حَالَةَ الْيَقَظَةِ أَوْ حَالَةَ النَّوْمِ، فَإِنْ كَانَ حَالَةَ الْيَقَظَةِ فَهُوَ الْخَطَأُ، وَإِنْ كَانَ حَالَةَ النَّوْمِ فَهُوَ الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، وَلَئِنْ قِيلَ قَتْلُ الْمُكْرَهِ لَيْسَ مُبَاشَرَةً مِنَ الْمُكْرَهِ وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ عَمْدًا حَتَّى أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ. قُلْنَا لَمَّا كَانَ الْمُكْرَهُ مَطْلُوبَ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُضِفِ الْفِعْلَ إِلَيْهِ فَجَعَلْنَاهُ كَالْآلَةِ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ وَانْتَقَلَ فِعْلُهُ إِلَيْهِ، فَكَأَنَّ الْمُكْرَهَ قَتَلَهُ بِآلَةٍ أُخْرَى فَصَارَ مُبَاشَرَةً تَقْدِيرًا وَشَرْعًا، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي الْإِكْرَاهِ.
قَالَ: (فَالْعَمْدُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَالسَّيْفِ وَاللِّيطَةِ وَالْمَرْوَةِ وَالنَّارِ) ; لِأَنَّ الْعَمْدَ فِعْلُ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ الْقَصْدُ، وَذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْآلَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ عَادَةً، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ عَمْدًا، وَلَوْ قَتَلَهُ بِحَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ كَالْعَمُودِ وَالسَّنْجَةِ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُوَ عَمْدٌ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ أَصْلُ الْآلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَيْسَ بِعَمْدٍ لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ، وَلَوْ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ لَا سِنَانَ لَهُ فَجَرَحَهُ فَهُوَ عَمْدٌ لِأَنَّهُ إِذَا فَرَّقَ الْأَجْزَاءَ فَهُوَ كَالسَّيْفِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهُ عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوْدَ فِيهِ، وَفِي الْمِسَلَّةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً وَيُقْصَدُ بِالْمِسَلَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قَتَلَ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْقَوَدُ) ، أَمَّا الْمَأْثَمُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: ٩٣] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْآدَمِيُّ بُنْيَانُ الرَّبِّ مَلْعُونٌ مَنْ هَدَمَهُ» وَالنُّصُوصُ فِيهِ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا الْقَوَدُ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَمْدُ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ حُكْمُهُ وَمُوجَبُهُ.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ.
قَالَ: (أَوْ وُجُوبُ الْمَالِ عِنْدَ الْمُصَالَحَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَإِذَا صَالَحَ عَنْهُ بِعِوَضٍ وَرِضَى غَرِيمِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا جَازَ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَيَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُعْقَلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا» ، وَهَذَا عَمْدٌ وَصُلْحٌ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَيَجِبُ فِي مَالِهِ عَلَى مَا شَرَطَا مِنَ التَّأْجِيلِ وَالتَّعْجِيلِ وَالتَّنْجِيمِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا فَهُوَ حَالٌّ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] وَالْمُرَادُ بِهِ الصُّلْحُ، وَهَذَا لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَجِبُ الْمَالُ إِلَّا بِالصُّلْحِ بِرِضَا الْقَاتِلِ، بَيَانُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] ، فَلَوْ وَجَبَ الْمَالُ أَوْ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute