الرَّابِعُ: نَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ كَذَلِكَ، وَحُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهَا حَتَّى يَسْكَرَ، وَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا؛ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ، وَإِنِ اشْتَدَّ إِذَا شُرِبَ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ. وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ حَلَالٌ، وَإِنِ اشْتَدَّ إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّقَوِّي، وَإِنْ قُصِدَ بِهِ التَّلَهِّي فَحَرَامٌ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى الْكَرْمِ وَالنَّخْلَةِ» . وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(الرَّابِعُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ كَذَلِكَ) عَلَى الْخِلَافِ حَرَامٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا.
(وَحُرْمَةُ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ دُونَ حُرْمَةِ الْخَمْرِ) لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ قَطْعِيَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ، وَحُرْمَةُ هَذِهِ اجْتِهَادِيَّةٌ (فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ) خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّهَا حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا كَالْخَمْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ إِذَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوَّمٌ، وَمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ تَقَوُّمِهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ، ثُمَّ يَجِبُ بِالْإِتْلَافِ عِنْدَهُ الْقِيمَةُ دُونَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْحُرْمَةِ.
(وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهَا حَتَّى يَسْكَرَ وَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا) لِمَا بَيَّنَّا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: مَا كَانَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ يَبْقَى بَعْدَ مَا بَلَغَ: أَيِ اشْتَدَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا يَفْسَدُ، أَيْ لَا يَحْمَضُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ دَلِيلُ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ فَكَانَ آيَةَ حُرْمَتِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَالَ: (وَنَبِيذَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ حَلَالٌ، وَإِنِ اشْتَدَّ إِذَا شُرِبَ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ) وَلَا طَرَبٍ.
(وَ) كَذَلِكَ (عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ حَلَالٌ، وَإِنِ اشْتَدَّ إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّقَوِّي، وَإِنْ قُصِدَ التَّلَهِّي فَحَرَامٌ) ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَرَامٌ، وَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ. لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، وَقَوْلُهُ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَقِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ. لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» خُصَّ السُّكْرُ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ بِالتَّحْرِيمِ، فَمَنْ عَمَّمَ بِالتَّحْرِيمِ السُّكْرَ وَغَيْرَهُ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ.
وَمَا رَوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَلِأَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَالَفُوهُ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّرْبِ الْمُسْكِرِ وَالتَّلَهِّي، أَوْ نَقُولُ: الْمُسْكِرُ هُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ فَنَقُولُ بِالْمُوجِبِ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ قَلِيلِ الْخَمْرِ يَدْعُو إِلَى كَثِيرِهِ لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ فَأَعْطَى حُكْمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُثَلَّثُ لِأَنَّ قَلِيلَهُ لَا يَدْعُو إِلَى كَثِيرِهِ وَهُوَ غِذَاءٌ فَلَا يَحْرُمُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِنَبِيذٍ فَشَمَّهُ فَقَطَّبَ وَجْهَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute