فَلَوْ أُخِذَ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْإِمَامِ انْقَطَعَتْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ حُدَّ، وَيُحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنَ الْخَمْرِ، وَبِالسُّكْرِ مِنَ النَّبِيذِ؛ وَالسَّكْرَانُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَالْأَرْضَ مِنَ السَّمَاءِ؛ وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنَ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا، وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ، وَلَا يُحَدُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَإِنَّهُ شَرَطَ وُجُودَ الرَّائِحَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخٍ لَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: بِئْسَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنْتَ لَا أَدَّبْتَهُ صَغِيرًا وَلَا سَتَرْتَ عَلَيْهِ كَبِيرًا! تَلْتِلُوهُ وَمَزْمِزُوهُ ثُمَّ اسْتَنْكِهُوهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَاجْلِدُوهُ شَرَطَ وُجُودَ الرَّائِحَةِ فَيَكُونُ شَرْطًا.
(فَلَوْ أُخِذَ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْإِمَامِ انْقَطَعَتْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ حُدَّ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ عُذْرٌ فَلَا يُعَدُّ تَقَادُمًا كَمَا قُلْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا، وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فَتَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ، وَيَسْقُطُ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ عُقُوبَةً لَهُ.
قَالَ: (وَيُحَدُّ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ مِنَ الْخَمْرِ، وَبِالسُّكْرِ مِنَ النَّبِيذِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(وَالسَّكْرَانُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْأَرْضَ مِنَ السَّمَاءِ) وَقَالَا: هُوَ الَّذِي يَخْلِطُ كَلَامَهُ وَيَهْذِي لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَأَقْصَاهُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ حَتَّى لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّهُ مَتَى مَيَّزَ فَذَلِكَ دَلَالَةُ الصَّحْوِ أَوْ بَعْضِهِ وَأَنَّهُ ضِدُّ السُّكْرِ، فَمَتَى ثَبَتَ أَحَدُهُمَا أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ الْآخَرُ.
(وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنَ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا) لِأَنَّ السُّكْرَ يَكُونُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَكَذَلِكَ الشُّرْبُ مُكْرَهًا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَلِذَلِكَ شَرَطَ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ) لِيَتَأَلَّمَ بِالضَّرْبِ فَيَحْصُلُ مَصْلَحَةُ الزَّجْرِ. قَالَ: (وَلَا يُحَدُّ مِنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُشْتَبِهَةٌ وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا ثَابِتٌ، وَالْحُدُودُ لَا تَجِبُ بِالشَّكِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute