للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَيَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ كَوَجْهِ الْآدَمِيِّ وَوَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا، وَرُؤْيَةِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَنَحْوِهِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَازِمًا، أَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ بَعْضِهِ، أَوْ مَاتَ بَطَلَ الْخِيَارُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِصَرِيحِ الْإِسْقَاطِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ شَرْعًا فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا، بِخِلَافِ خِيَارَيِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ لِأَنَّهُمَا ثَبَتَا بِقَصْدِهِمَا وَشَرْطِهِمَا، وَيَمْلِكُ فَسْخَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَهُ، وَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ، لَكِنْ يَمْنَعُ اللُّزُومَ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ عَرَضَهَ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَيَلْزَمُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَكِنْ رَضِيَ، وَالرِّضَى قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ.

قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّ اللُّزُومَ بِالرِّضَى، وَالرِّضَى بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَالْعَلَمُ بِالرُّؤْيَةِ؛ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهُ، لِأَنَّ النَّصَّ أَثْبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْمَبِيعِ عَمَّا يَظُنُّهُ وَدَفْعًا لِلْغَبْنِ عَنْهُ، فَلَوْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ لَثَبَتَ خَوْفًا مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَظُنُّهُ مِنَ الْأَوْصَافِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَرِيضٌ فَإِذَا هُوَ صَحِيحٌ لَزِمَهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ؟ .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا بِالْكُوفَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: غَبَنْتَ؟ قَالَ: لِي الْخِيَارُ فَإِنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ، وَقِيلَ لِطَلْحَةَ: غُبِنْتَ؟ فَقَالَ: لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ، فَاحْتَكَمَا إِلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَحَكَمَ بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَكَمَ جُبَيْرٌ، وَرُجُوعُهُمَا إِلَى حُكْمِهِ وَعَدَمُ وُجُودِ النَّكِيرِ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ.

قَالَ: (وَيَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ كَوَجْهِ الْآدَمِيِّ وَوَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا، وَرُؤْيَةِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْجَمِيعِ غَيْرُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَاكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. وَالْوَجْهُ فِي الْآدَمِيِّ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ بِالْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَلُ فِي الدَّابَّةِ؛ وَأَمَّا الثَّوْبُ فَالْمُرَادُ الثِّيَابُ الَّتِي لَا يُخَالِفُ بَاطِنُهَا الظَّاهِرَ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ، وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ؛ وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَبْنِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ الظَّاهِرِ؛ وَلَا بُدَّ فِي شَاةِ اللَّحْمِ مِنَ الْجَسِّ وَشَاةِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الضَّرْعِ مَعَ جَمِيعِ جَسَدِهَا، وَاعْتُبِرَ بِهَذَا جَمِيعُ الْمَبِيعَاتِ.

قَالَ: (فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَازِمًا أَوْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّ بَعْضِهِ، أَوْ مَاتَ بَطَلَ الْخِيَارُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْبَعْضِ فَرَدُّ الْبَاقِي إِضْرَارٌ بِالْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ رَدُّ الْمَعِيبِ؛ وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَبَقِيَ لَهُ خِيَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>