وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ وَلَا بِالنُّخَالَةِ، وَلَا الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ (سم) ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبِالتَّمْرِ (سم) مُتَمَاثِلًا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ وَلَا بِالنُّخَالَةِ، وَلَا الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا، وَشُبْهَةَ الْجِنْسِيَّةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الرِّبَا احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إِلَى الْأَصْلِ، وَالْمُخَلِّصُ هُوَ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ، وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لِانْكِبَاسِ الدَّقِيقِ فِي الْمِكْيَالِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا عُدِمَ الْمُخَلِّصُ حَرُمَ الْبَيْعُ؛ وَكَذَا لَا تَجُوزُ الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ، وَلَا بِالسَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ، وَلَا الْمَطْبُوخَةُ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخَةِ، لِتَعَذُّرِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا بِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَفِعْلُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إِسْقَاطِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَبْلُولَةِ بِمِثْلِهَا وَبِالْيَابِسَةِ، وَالرَّطْبَةِ بِمِثْلِهَا وَبِالْيَابِسَةِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا بِصُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ؛ وَأَمَّا الْمَبْلُولَةُ فَلِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ خُلِقَتْ نِدِّيَّةً، فَالْبَلُّ يُعِيدُهَا إِلَى مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ كَأَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَصَارَتْ كَالسَّلِيمَةِ بِالْمُسَوَّسَةِ وَالْعَلْكَةِ بِالرَّخْوَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ نَظَرًا إِلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ، وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ التَّغَذِّي وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا لِلتَّسَاوِي؛ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ كَيْفَ كَانَ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ بِكُلِّيٍّ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً وَالْآخَرُ نَقْدًا، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا) وَكَذَا التَّمْرُ بِالْبُسْرِ وَالرُّطَبُ بِالْبُسْرِ، لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَصَارَ كَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ التَّمْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَوَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، " قَالَ: لَا إِذًا» وَلِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْكَبِسُ أَكْثَرَ مِنَ التَّمْرِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْعِرَاقَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ يَجُوزُ، لِأَنَّ الرُّطَبَ إِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ٩ «إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَرَدَّ مَا رَوَيَاهُ مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: مَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُقَالُ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَقَدْ عَرِفَ مِثْلَ هَذَا الْإِسْنَادِ؟ وَلِأَنَّهُ بَاعَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا أُهْدِيَ لَهُ رُطَبٌ مِنْ خَيْبَرَ: " أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» وَقَوْلُهُ: الرُّطَبُ يَنْكَبِسُ أَكْثَرَ مِنَ التَّمْرِ، قُلْنَا هَذَا التَّفَاوُتُ نَشَأَ مِنَ الصِّفَاتِ الْفِطْرِيَّةِ، وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَنَّا فِيمَا شُرِطَ عَلَيْنَا مِنْ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute