للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مَحُوزًا مُفْرَغًا مُتَمَيِّزًا، فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْعَبْدُ حُرًّا، وَالْخَلُّ خَمْرًا، أَوْ قَتَلَ عَبْدًا فَأَعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ حَرًّا.

قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ: يَهْلَكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ، وَالْقَبْضُ لَمْ يَتِمَّ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْحُرِّ وَالْخَمْرِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ ابْتِدَاءً.

وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ: أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ رَهْنٍ فَاسِدٍ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنَ الدَّيْنِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ انْعَقَدَ لِمُقَابَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ، وَفِي الْبَعْضِ فِي ظَنِّهِمَا، لَكِنَّهُ فَسَدَ لِنُقْصَانٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الرَّهْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا، كَالْمَقْبُوضِ فِي الْبَيْعِ الْكَاسِدِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا، إِلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا هُنَا؛ أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَظَاهَرٌ؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا قَبَضَهُ لِيَكُونَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ، وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مَحُوزًا مُفْرَغًا مُتَمَيِّزًا) فَالْمَحُوزُ الْمَعْلُومُ الَّذِي يُمْكِنُ حِيَازَتُهُ، وَالْمُفْرَغُ الَّذِي لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ، وَالْمُتَمَيِّزُ الْمَقْسُومُ الَّذِي قَدْ تَمَيَّزَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْصِبَاءِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ لَا يُتَصَوَّرُ بِانْفِرَادِهِ، وَقَبْضُ الْكُلِّ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ يُخِلُّ بِقَبْضِهِ وَحَبْسِهِ، وَكَذَا الْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ، وَمَقْصُودُ الرَّهْنِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْحَبْسِ الدَّائِمِ، وَالْحَبْسُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدُونِهَا.

قَالَ: (فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا لَهُ بِدَيْنٍ فَنَفَقَ. فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ: " ذَهَبَ حَقُّكَ " وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إِذَا عَمِيَ الرَّهْنُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» قَالُوا: مَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا هَلَكَ فَاشْتَبَهَتْ قِيمَتُهُ؛ وَقَدْ نَقَلَ أَصْحَابُنَا إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ حَبْسَهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ الِاسْتِيفَاءُ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى حَقِّهِ مَخَافَةَ الْجُحُودِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ هَذَا الِاسْتِيفَاءُ بِالْهَلَاكِ، فَلَوْ وَفَّاهُ ثَانِيًا يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُضَ الْقَبْضَ وَالْحَبْسَ وَيَرُدَّهُ إِلَى الرَّاهِنِ، وَأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ فَفَاتَ شَرْطُ الْمُطَالَبَةِ فَبَطَلَتْ؛ وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَتَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، هُوَ لِصَاحِبِهِ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ الرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَا يَحْبِسُهُ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ، هَذَا مَعْنَاهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بَيْتُ ابْنِ زُهَيْرٍ:

وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَضْحَى الرَّهْنُ قَدْ غُلِقَا

أَيْ مَحْبُوسًا لَا فِكَاكَ لَهُ، وَكَذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ قَلْعًا لَهُمْ عَنِ الْعَوَائِدِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَقَوْلُهُ: «لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» أَيْ إِذَا بِيعَ فَفَضَلَ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيْهِ، أَوْ لَهُ غُنْمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>