للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمْعَنَى الْمُبَادَلَةِ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، إِلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَلَوِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ، وَيَقْسِمُ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِيُّهُ أَوْ وَلَيُّهُ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يُقَدِّرُ لَهُ أَجْرًا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَهُوَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ (سم) ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ لِيَصِلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ إِلَّا بِالتَّهَايُؤِ فَيَبْطُلُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، فَكَانَتِ الْقِسْمَةُ مُتَمِّمَةً لِلْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ إِفْرَازًا وَتَكُونُ مُبَادَلَةً فَنَقُولُ:

(مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ أَظْهَرُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ، وَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ مَا حَصَلَ لَهُ كَانَ لَهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لِشَرِيكِهِ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ وُصُولَ مِثْلِ حَقِّهِ إِلَيْهِ كَوُصُولِ عَيْنِ حَقِّهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ.

(وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ أَظْهَرُ فِيمَا يَتَفَاوَتُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ) وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا أَخْذُ نَصِيبِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ، وَلَوِ اقْتَسَمَا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، لِأَنَّ مَا أَخَذَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ.

(إِلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ إِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ) كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَتْمِيمًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَكْمِيلًا لِثَمَرَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ جَائِزٌ إِذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ كَالْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ، وَالْمَدْيُونُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مِلْكِهِ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ.

(وَلَا يُجْبَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ) كَالْحَيَوَانِ مَعَ الْعَقَارِ، أَوِ الْبَقَرِ مَعَ الْخَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِيهِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا، وَالثَّوْبَانِ إِذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا.

(وَلَوِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ) لِأَنَّهُ بِيعَ وَلَهُمَا ذَلِكَ.

قَالَ: (وَيَقْسِمُ عَلَى الصَّبِيِّ وَصِيُّهُ أَوْ وَلِيُّهُ) كَالْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصَبَ لَهُ الْقَاضِي مَنْ يَقْسِمُ.

قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ قَاسِمًا عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْعَمَلِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِهِ، وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِ إِلَّا بِالْعَدَالَةِ، وَلَا وُثُوقَ إِلَى فِعْلِهِ إِلَّا بِالْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ الْقَاضِيَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.

قَالَ: (يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ الْمُنَازَعَةَ كَالْقَضَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْقَاضِي، وَلِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ فَكَانَ أَفْضَلَ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْعَامَّةِ.

قَالَ: (أَوْ يُقَدِّرُ لَهُ أَجْرًا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ) لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُقَدِّرُهُ لِئَلَّا يَطْلُبَ زِيَادَةً وَيَشْتَطَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَجْرِ.

قَالَ: (وَهُوَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>