مَا عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: هُوَ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا مُعْسِرٌ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ يَسَارَهُ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالٍ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ، أَوِ الْتَزَمَهُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ حَبَسَهُ، وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسُهُ، فَإِذَا حَبَسَهُ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَظْهَرَهُ، وَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ ; وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ إِلَّا إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَا عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ ظُلْمُهُ، وَهَذَا إِذَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالْإِقْرَارِ، أَمَّا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْجَحْدِ فَيَكُونُ ظَالِمًا، وَلَا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي: أَلَكَ مَالٌ؟ وَلَا مِنَ الْمُدَّعِي إِلَّا أَنْ يَطْلُبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ فَيْسَأَلُهُ.
(فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْإِنْظَارَ بِالنَّصِّ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْمُلَازَمَةِ.
(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي هُوَ مُوسِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ يَسَارَهُ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالٍ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ، أَوِ الْتَزَمَهُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ حَبَسَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ وَالْتِزَامُهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ.
(وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَذَلِكَ مِثْلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ.
(إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسَهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ.
(فَإِذَا حَبَسَهُ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَظْهَرَهُ وَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ، فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ إِعْسَارُهُ فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْظَارَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِإِعْسَارِهِ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ بَعْدَ الْحَبْسِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَبْلَهُ لَا. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَرِينَةً، وَهُوَ تَحَمُّلُ شِدَّةِ الْحَبْسِ وَمُضَايَقَتِهِ وَذَلِكَ دَلِيلُ إِعْسَارِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْحَالَتَيْنِ.
(وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ أَبَّدَ حَبْسَهُ) لِظُلْمِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ. قِيلَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِسِتَّةٍ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ أَوَّلًا، لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي احْتِمَالِ الْحَبْسِ وَيَتَفَاوَتُونَ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَيُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي.
قَالَ: (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ وَقَدْ مَنَعَهُ فَيُحْبَسُ لِظُلْمِهِ.
(وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) وَكَذَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُصَاحَبَةً بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ أُمِرَ بِهَا.
(إِلَّا إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ