فَيَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إِلَّا الْحُدُودَ (س) وَالْقِصَاصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ إِلَّا بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا، وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إِلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَيْنِ، فَتَجُوزُ عُقُودُهُمَا، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِمُوَكِّلِهِمَا
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(فَيَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا) لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ: «وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ أَخَاهُ عَقِيلًا وَابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ.
قَالَ: (إِلَّا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ ثَابِتٌ لِلنَّدْبِ إِلَيْهِ وَلِلشَّفَقَةِ عَلَى الْجِنْسِ، وَأَنَّهُ شُبْهَةٌ وَأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا حَضَرَ لِانْتِفَاءِ هَذَا الِاحْتِمَالِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ، فَيُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالظُّهُورِ يُضَافُ إِلَى الشَّهَادَةِ، وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ، فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بِالْخُصُومَةِ إِلَّا بِرِضَاءِ الْخَصْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا) ، وَقَالَا: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ إِلَّا الْوَكِيلُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَّلَ بِالْخُصُومَةِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِحَقٍّ فَيَجُوزُ كَالتَّوْكِيلِ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَا عَلِيُّ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» فَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَوِ اسْتِمَاعُ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَالْجَوَابُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْخُصُومَةِ، فَلَعَلَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ أَشَدَّ خِصَامًا وَأَكْثَرَ احْتِجَاجًا فَيَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بِرِضَاهُ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنِ الْخُصُومَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ، لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ السَّفَرَ مَشَقَّةً فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ فَجَازَ لَهُمَا التَّوْكِيلُ، وَلَا فَرْقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَاسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ مُخَدَّرَةً جَازَ تَوْكِيلُهَا بِغَيْرِ رِضَاءِ الْخَصْمِ لِعَجْزِهَا عَنِ الْخُصُومَةِ بِسَبَبِ الْحَيَاءِ وَالدَّهْشَةِ.
قَالَ: (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إِلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ، مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَنَقْدِ الثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَيْنِ فَتَجُورُ عُقُودُهُمَا، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِمُوَكِّلِهِمَا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute