للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَتَجُوزُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، وَتَنْعَقِدُ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ: تَكَفَّلْتُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ، وَبِكُلِّ عُضْوٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ، وَبِالْجُزْءِ الشَّائِعِ كَالْخُمْسِ وَالْعُشْرِ، وَبِقَوْلِهِ: ضَمِنْتُهُ، وَبِقَوْلِهِ: عَلَيَّ، وَإِلَيَّ، وَأَنَا: زَعِيمٌ، أَوْ قَبِيلٌ. وَالْوَاجِبُ إِحْضَارُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي مَكَانٍ يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ، وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ بَرِئَ، فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ إِحْضَارُهُ فِيهِ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْأَصِيلِ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ لِمَا مَرَّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ مُطَالَبٌ بِالثَّمَنِ وَهُوَ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُوَكِّلَ عَنِ الثَّمَنِ جَازَ وَسَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ عَنِ الْوَكِيلِ.

قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ إِلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ) لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ تَبَرُّعًا.

(وَتَجُوزُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ) لِمَا رُوِّينَا وَذَكَرْنَا مِنَ الْحَاجَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ.

أَمَّا الْمَالُ فَلِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا النَّفْسُ بِأَنْ يَعْلَمَ الطَّالِبُ بِمَكَانِهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُمَا وَبِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي فَيَصِحُّ

دَفْعًا لِلْحَاجَةِ.

قَالَ: (وَتَنْعَقِدُ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ تَكَفَّلْتُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ وَبِكُلِّ عُضْوٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.

(وَبِالْجُزْءِ الشَّائِعِ كَالْخُمُسِ وَالْعُشْرِ) لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَذِكْرُ الْبَعْضِ ذِكْرُ الْكُلِّ.

(وَبِقَوْلِهِ ضَمِنْتُهُ) لِأَنَّهُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ.

(وَبِقَوْلِهِ: عَلَيَّ، وَإِلَيَّ) لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْإِيجَابِ؛ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» أَيْ عَلَيَّ؛ «وَمَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُمَا عَلَيَّ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» .

(وَ) بِقَوْلِهِ. (أَنَا زَعِيمٌ) لِلنَّصِّ. (أَوْ قَبِيلٌ) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْكَفِيلِ لُغَةً وَعُرْفًا، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا ضَمِينٌ، أَوْ لَكَ عِنْدِي هَذَا الرَّجُلُ، أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُوَفِّيَكَ بِهِ، أَوْ أَنْ أَلْقَاكَ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي مَعْنَى الْكَفَالَةِ.

قَالَ: (وَالْوَاجِبُ إِحْضَارُهُ وَتَسْلِيمُهُ فِي مَكَانٍ يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ) لِيُفِيدَ تَسْلِيمَهُ.

(فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَرِئَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ وَحَصَلَ مَقْصُودُ الْمَكْفُولِ لَهُ؛ وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ، وَكَذَلِكَ فِي السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاكِمَ بِهَا؛ وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي السُّوقِ بَرِئَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي وَالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ فِي زَمَانِنَا لِمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ عَادَةً.

(وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ بَرِئَ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُخَاصَمَتِهِ فِيهِ، وَقَالَ: لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ شُهُودَهُ قَدْ لَا يَكُونُونَ فِيهِ، قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُونَ فِيهِ.

قَالَ: (فَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ إِحْضَارُهُ فِيهِ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهُ) إِلْزَامًا لَهُ بِمَا الْتَزَمَ.

(فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ صَارَ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ الْحَقَّ، وَقِيلَ لَا يُحْبَسُ أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا ظَهَرَ ظُلْمُهُ؛ وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ حَاضِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>