وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَظْهَرَهَا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا. وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ، وَتَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ وَلَا تَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ. فَإِذَا ظَهَرَتِ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ وَقَدْ ضَمِنَهَا بِنُكُولِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِقَوْلِ الْمَالِكِ - سَلِمَتْ لِلْغَاصِبِ. وَإِنْ ضَمِنَهَا بِيَمِينِهِ فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ، وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ الْعَقَارُ بِفِعْلِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ هَلَكَ (م) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْقِيَمِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَصْبُ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ السَّبَبِ.
قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً يَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَظْهَرَهَا، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ; لَأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا، وَقَدِ ادَّعَى خِلَافَهُ. وَنَظِيرُهُ إِذَا طُولِبَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَادَّعَى الْإِفْلَاسَ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجْرِ، فَإِذَا حُبِسَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ؛ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزِّيَادَةِ قَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ.
قَالَ: (فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إِلَى مِلْكٍ، وَقَدْ مَلَكَ الْمَالِكُ بَدَلَهُ فَيَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. (وَتَسْلَمُ لَهُ الْأَكْسَابُ) ؛ لِلتَّبَعِيَّةِ، (وَلَا تَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ) ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ فَوْقَ تَبَعِيَّةِ الْأَكْسَابِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتِبِ مُدَبَّرٌ وَمَكَاتِبٌ، وَلَا تَكُونُ أَكْسَابُهُمَا مُدَبَّرًا وَمُكَاتِبًا؟
قَالَ: (فَإِذَا ظَهَرَتِ الْعَيْنُ، وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِنُكُولِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِقَوْلِ الْمَالِكِ - سَلِمَتْ لِلْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِرِضَى الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْقَدْرَ. (وَإِنْ ضَمِنَهَا بِيَمِينِهِ فَالْمَالِكُ إِنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ وَرَدَّ الْعِوَضَ) ; لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ؛ لِعَجْزِهِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى كَمَالِ حَقِّهِ كَالْمُكْرَهِ. وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ حَيْثُ لَمْ يُعْطِهِ مَا ادَّعَاهُ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.
قَالَ: (وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ الْعَقَارُ بِفِعْلِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لَوْ هَلَكَ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ. وَصُورَتُهُ: أَنَّ مَنْ سَكَنَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، ثُمَّ خَرِبَتِ الدَّارُ أَوْ غَرِقَ الْعَقَارُ - لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَحَقَّقَتِ الْيَدُ الْعَادِيَةُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْيَدَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ، فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ. وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْلِ فِيمَا يُنْقَلُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّخْلِيَةِ فِيمَا لَا يُنْقَلُ كَدُخُولِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.
وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الْجَزَاءَ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الضَّمَانَ، وَلَوْ وَجَبَ لَذَكَرَهُ. وَلِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَتْ يَدُ الْمَالِكِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ، وَالتَّصَرُّفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute