وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ اجْتَهَدَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ (ف) وَإِنْ أَخْطَأَ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ وَبَنَى، وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَأَخْطَأَ أَعَادَ، وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا نِيَّةً مُتَّصِلَةً بِالتَّحْرِيمَةِ، وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِالْعُذْرِ، وَالْقِبْلَةُ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ وَالْهَوَاءُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْبِنَاءِ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إِلَى حِجَارَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلٍ أَعْلَى مِنَ الْكَعْبَةِ جَازَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبِنَاءِ.
قَالَ: (وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُ اجْتَهَدَ وَصَلَّى، وَلَا يُعِيدُ وَإِنْ أَخْطَأَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةٍ وَخَطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوا الْخُطُوطَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: تَمَّتْ صَلَاتُكُمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا إِعَادَةَ عَلَيْكُمْ» ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ إِلَى جِهَةِ التَّحَرِّي إِذِ التَّكْلِيفُ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.
قَالَ: (فَإِنْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ وَبَنَى) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمْ نَسَخُ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرَ اسْتَدَارُوا إِلَيْهَا» ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ بِالْقِبْلَةِ صَارَ فَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إِلَيْهَا فَيَسْتَدِيرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْسَنَ فِعْلَ أَهْلِ قُبَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ.
قَالَ: (وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَأَخْطَأَ أَعَادَ) وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ ; لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبَ الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّحَرِّي وَالسُّؤَالِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَلَوْ شَرَعَ لَا بِالتَّحَرِّي ثُمَّ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ يَسْتَأْنِفُ التَّحْرِيمَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَمْضِي فِيهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا يَسْتَأْنِفُ إِلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَلَهُمَا أَنَّ حَالَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ أَقْوَى لِتَيَقُّنِهِ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا قُلْنَا: الْمُومِي إِذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَبْنِي، لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ كَذَا هُنَا، وَمَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا فَسَدَتْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ جَائِزَةٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إِصَابَةُ الْقِبْلَةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا لَزِمَهُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إِلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، فَصَارَ كَمَا إِذَا تَرَكَ النِّيَّةَ وَنَحْوَهَا. وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» ، وَلِأَنَّهُ لَا إِخْلَاصَ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْإِخْلَاصِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] .
قَالَ: (وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا نِيَّةً مُتَّصِلَةً بِالتَّحْرِيمَةِ، وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute