للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ وَالصَّابِئِيَّاتِ (سم) . وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

كَمَمْلُوكِ الْمُكَاتِبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِثْبَاتِ الْأَضْعَفِ مَعَ ثُبُوتِ الْأَقْوَى. وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُوجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حُقُوقًا، وَالرِّقُّ يُنَافِي ذَلِكَ.

(وَ) الْمُحَرَّمَاتُ بِالْكُفْرِ فَـ (لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ، وَلَا وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ يَمِينٍ) ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» .

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْكِتَابِيَّاتِ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] ، وَالذِّمِّيَّةُ وَالْحَرْبِيَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَالْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ؛ لِإِطْلَاقِ الْمُقْتَضَى.

(وَ) يَجُوزُ نِكَاحُ (الصَّابِئِيَّاتِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا حَلَّ ذَبَائِحَهُمْ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَعِنْدَهُ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ، وَلَا يَعْبُدُونَهَا، فَصَارُوا كَالْكِتَابِيَّاتِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ.

وَالْمُحَرَّمَاتُ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.

قَالَ: (وَالزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا، وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أُصُولِ الْوَاطِئِ وَفُرُوعِهِ. (وَكَذَا الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْضًا) ، وَالْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ إِجْمَاعَ السَّلَفِ فِي أَنَّ التَّقْبِيلَ وَاللَّمْسَ عَنْ شَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً هُوَ الْوَطْءُ، أَوْ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَأَعَمَّ فَائِدَةً، فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: وَلَا تَطَئُوا مَا وَطِئَ آبَاؤُكُمْ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ وَالسِّفَاحُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ وَأَبِيهِ» .

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي مَوْطُوءَةِ الْأَبِ ثَبَتَ فِي مَوْطُوءَةِ الِابْنِ، وَفِي وَطْءِ أُمِّ امْرَأَتِهِ، وَسَائِرِ مَا يَثْبُتُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا. وَلِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ. وَالْمَسُّ وَالنَّظَرُ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ، فَيُقَامُ مَقَامَهُ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ.

وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] الْوَطْءُ دُونَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَقْدَ؛ لِاسْتِحَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>