. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَرَدَّ الرَّاهِنُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٤] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٤٠] أَضَافَ النِّكَاحَ وَالْفِعْلَ إِلَيْهِنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَارَتِهِنَّ وَنَفَاذِهَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَيْهِنَّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا غَيْرَهَا. وَهِيَ إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَقَدْ فَعَلَتْ فِي نَفْسِهَا بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ فَتَاةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخٍ لَهُ؛ لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ، وَأَنَا لَهُ كَارِهَةٌ! فَقَالَ لَهَا: أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ، فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي فِيمَا صَنَعَ أَبِي! قَالَ: فَاذْهَبِي، فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ! فَقَالَتْ: لَا رَغْبَةَ لِي عَمَّا صَنَعَ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِمْ شَيْءٌ» .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» . الثَّانِي: قَوْلُهَا ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: «أَجِيزِي مَا صَنَعَ أَبُوكِ» - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ نَافِذٍ عَلَيْهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذََامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا، وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» .
وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِرِضَاهَا، فَجَاءَ الْأَوْلِيَاءُ وَخَاصَمُوهَا إِلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَجَازَ النِّكَاحَ. وَهَذَا دَلِيلُ الِانْعِقَادِ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ; لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهَا، فَيَنْفُذُ كَتَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا. وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْهَا فِي الْمَالِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ فِي الْمَالِ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَبَذْلِهِ لَهَا، وَهِيَ أَهْلٌ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهَا، إِلَّا أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِمْ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَيْنَا؛ فَإِمَّا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الْقِيَاسِ - وَهُوَ لَنَا - عَلَى الْمَالِ وَالرَّجُلِ، أَوْ يُوَفَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَيُحْمَلُ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَى الْحُرَّةِ الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ، وَمَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى الْأَمَةِ تَوْفِيقًا.
كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَيُّمَا أَمَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا» ؟ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، أَوْ يُرَجَّحُ، وَالتَّرْجِيحُ مَعَنَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ سَالِمٌ عَنِ الطَّعْنِ، وَمَا رَوَاهُ مَطْعُونٌ فِيهِ؛ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، «وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، «وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا، فَلَا يَكُونُ نِكَاحًا بِلَا وَلِيٍّ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ وَلِيًّا؟ وَلَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنِ الْحَدِيثِ. وَكَذَا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ