للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ. وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهَا (م) ، وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَنْتَظِرُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ (ز) .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قَرَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَارِثُ يَتَعَلَّقُ بِهَا ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ كَالْعَصَبَاتِ، إِلَّا أَنَّهُمْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْعَصَبَاتِ؛ لِضَعْفِ الرَّأْيِ وَبُعْدِ الْقَرَابَةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي النِّكَاحَ إِلَى الْعَصَبَاتِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ، أَمَّا عِنْدَ عَدِمِهِمْ فَالْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَنْهُ، فَنَقُولُ: يَنْتَقِلُ إِلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْعَصَبَاتِ فِي الشَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْنَا بَلْ لَنَا. وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي الْفَرَائِضِ فِي فَصْلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ

وَأَمَّا مَوْلَى الْعَتَاقةِِ فَلِأَنَّهُ وَارِثٌ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَكَذَا فِي الْوِلَايَةِ، وَلِأَنَّهُ عَصَبَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْفَرَائِضِ.

وَأَمَّا الْقَاضِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» .

قَالَ: (وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَلَا صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) ; أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَلِي غَيْرَهُ؟ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا نَظَرَ لَهُمَا وَلَا خِبْرَةَ، وَهَذِهِ وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَقْتَضِي نُفُوذَ قَوْلِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا نَفَاذَ لِقَوْلِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] . وَثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى وَلَدِهِ الْكَافِرِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

قَالَ: (وَابْنُ الْمَجْنُونَةِ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهَا) فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَدَّمُ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ. وَلَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا بِالْعُصُوبَةِ، وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ.

قَالَ: (وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَنْتَظِرُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ حُضُورَهُ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ) . وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الرَّيِّ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً. وَعَنْهُ: مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الرَّيِّ، عِشْرُونَ مَرْحَلَةً.

وَفَصَّلَ ابْنُ شُجَاعٍ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْقَوَافِلُ وَالرُّسُلُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَهِيَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ لَا يَنْتَظِرُ سَنَةً، وَلَا يَعْلَمُ هَلْ يُجِيبُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا؟ وَقَدْ يَنْتَظِرُ بَعْضَ السَّنَةِ، فَلِذَلِكَ قَدَّرَهُ بِهَذَا. وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ لَا يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ وَانْتِظَارِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ.

وَلَنَا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْتَقَلْ إِلَى الْأَبْعَدِ تَتَضَرَّرُ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْكُفْءَ الْحَاضِرَ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْكُفْءُ مَرَّةً أُخْرَى، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ دَفْعًا لِهَذَا الضَّرَرِ. وَلِأَنَّ الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ تَدْبِيرِ مَصَالِحِ النِّكَاحِ، فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ ; لِأَنَّهَا نَظَرِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>