للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) .

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَمِلُ ضَرْبًا مِنَ الْجَهَالَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ جَهَالَتِهِ؛ لِمَا أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ كَذَلِكَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ.

ثُمَّ الْجَهَالَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا جَهَالَةُ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ كَقَوْلِهِ: ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ دَارٌ - فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لِتَفَاوُتِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الصُّوَرِ وَالْمَعَانِي، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَكَذَا التَّسْمِيَةُ مَعَ الْخَطَرِ كَقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ غَنَمِهِ أَوْ مَا يَحْمِلُهُ نَخْلُهُ هَذِهِ السَّنَةَ.

وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ النَّوْعِ مَجْهُولُ الصِّفَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ: عَبْدٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ الْوَسَطُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومَ النَّوْعِ كَانَ لَهُ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَالْوَسَطُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

وَعِنْدَ جَهَالَةِ النَّوْعِ لَا وَسَطَ؛ لِاخْتِلَافِ مَعَانِي الْأَنْوَاعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْفَرَسِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَمَلِ، وَمَعْنَى الشَّاةِ غَيْرُ مَعْنَى الْجَامُوسِ. وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ كَالْأَطْلَسِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ، فَكَانَتْ أَصْلًا فِي حَقِّ الْإِيفَاءِ، وَالْعَيْنُ أَصْلٌ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ، فَيَتَخَيَّرُ وَتُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ.

وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا كَانَ الْمَهْرُ ثَوْبًا مَوْصُوفًا لَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الثَّوْبَ بِالتَّسْمِيَةِ، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ غَيْرِهِ كَمَا فِي السَّلَمِ. وَجَوَابُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَهُوَ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ فِي الْجَهَالَةِ، فَتُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْحَيَوَانِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ زُفَرَ، وَقَالَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا كَالسَّلَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا فِي السَّلَمِ، فَكَذَا هُنَا.

ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْوَسَطِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَإِنْ سَمَّى أَبْيَضَ فَخَمْسُونَ وَهُوَ قِيمَةُ الْغُرَّةِ، وَالْمَهْرُ بِمَعْنَى الْغُرَّةِ. وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقِيلَ: هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ.

وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ كَالنُّقُودِ.

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَصِفْهُ - يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْوَسَطِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْكُرِّ. وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفٍ قُسِّمَتِ الْأَلْفُ عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا رُجُوعًا إِلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِمَا فَقَدْ أَضَافَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا تَسْتَحِقُّهُ.

وَاسْتِحْقَاقُهُمَا فِي الْأَصْلِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَنْ دَفَعَ إِلَى رَبَّيْ دَيْنٍ أَلْفًا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا عَلَى قَدْرِ دَيْنَيْهِمَا كَذَلِكَ هَذَا. فَإِنْ طَلَّقَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْأَلْفِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>