وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَخْبَثَهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ أَعْظَمَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوِ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ، أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(و) مِثَالُ الثَّانِي: (لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَخْبَثَهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ أَعْظَمَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوِ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ، أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ تُنْبِئُ عَنِ الشِّدَّةِ، وَالْبَائِنُ: هُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى رَجْعَتِهَا، بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَدِيدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْلِكَ رَجْعَتَهَا بِدُونِ أَمْرِهَا.
قَالَ: (وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ الشِّدَّةَ وَالْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ: شِدَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَقَوِيَّةٌ، فَالضَّعِيفَةُ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ، فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ، وَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْهِ فَيُصَدَّقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ لِأَنَّهُ يُشَبِّهُ بِهَا فِي الْقُوَّةِ. قَالَ:
وَوَاحِدٌ كَالْأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنَى
وَيُشَبِّهُ بِهَا فِي الْعَدَدِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ لِمَا مَرَّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَالظَّاهِرُ هُوَ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ.
ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مَتَّى شَبَّهَ الطَّلَاقَ فَهُوَ بَائِنٌ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْوَصْفِ وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ، لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ التَّشْبِيهِ يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - إِنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي نَفْسِ التَّوْحِيدِ، فَإِذَا ذَكَرَ الْعِظَمَ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ. وَعِنْدَ زُفَرَ إِنْ شَبَّهَهُ بِمَا هُوَ عَظِيمٌ فِي نَفْسِهِ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ، وَالْخِلَافُ يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ، مِثْلَ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ، مِثْلَ الْجَبَلِ، مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ بَائِنٌ فِي الْجَمِيعِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بَائِنٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، رَجْعِيٌّ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَ زُفَرَ هُوَ بَائِنٌ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، رَجْعِيٌّ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عَدَدِ كَذَا. لِشَيْءٍ لَا عَدَدَ لَهُ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ قَالَ كَالنُّجُومِ فَوَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَالنُّجُومِ ضِيَاءً إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ فَثَلَاثٌ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ، يَقَعُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ، تَقَعُ وَاحِدَةٌ، فَيَثْبُتُ ضِدُّ مَا نَفَاهُ أَوَّلًا، لِأَنَّ بِالنَّفْيِ ثَبَتَ ضِدُّهُ فَلَا يَرْتَفِعُ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتُهَا بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا يَكُونُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَصِيرُ بَائِنًا لَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَتَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ بِصِفَةٍ لَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَهُ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْوَاقِعِ لَا يَصِحُّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِبَانَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَمْلِكُ إِثْبَاتَهَا بَعْدَ الْإِيقَاعِ وَيَمْلِكُ إِيقَاعَ الْعَدَدِ فَيَمْلِكُ إِلْحَاقَ الثِّنْتَيْنِ بِالْوَاحِدَةِ وَضَمِّهِمَا إِلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute