للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ - النَّفْسِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

- رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إِذَا أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا وَأَقَامَهَا مِنَ الْمَجْلِسِ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ وِتْرٍ فَأَتَمَّتْهَا لَا يَبْطُلُ، وَكَذَا فِي التَّطَوُّعِ إِنْ تَمَّتْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ قَطْعِهَا، وَإِنْ تَمَّتْ أَرْبَعًا بَطَلَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي النَّفْلِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا تُبْطِلُ وَإِنْ أَتَمَّتْهَا أَرْبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّرَوِّي، فَإِنَّ الْقُعُودَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ، أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جِلْسَةٍ إِلَى جِلْسَةٍ وَلَيْسَ بِإِعْرَاضٍ، كَمَا إِذَا تَرَبَّعَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُحْتَبِيَةً. وَقِيلَ إِذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّهُ إِظْهَارٌ لِلتَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ فَكَانَ إِعْرَاضًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا، وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا، إِلَّا أَنْ تَخْتَارَ مَعَ سُكُوتِ الزَّوْجِ، لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ وَوُقُوفَهَا مُضَافٌ إِلَيْهَا، فَإِذَا سَارَتْ كَانَ كَمَجْلِسٍ آخَرَ.

(فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهَا بِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ.

(وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ.

(وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ فَتَقُولُ: اخْتَرْتُ، أَوْ يَقُولُ لَهَا: اخْتَارِي فَتَقُولُ: اخْتَرْتُ نَفْسِي لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ الْمُفَسَّرُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي، فَقَالَتِ اخْتَرْتُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا، وَإِنَّمَا جُعِلَ بِالسُّنَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ مُفَسَّرًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اخْتَارِي، وَقَوْلَهَا اخْتَرْتُ، لَيْسَ لَهُ مُخَصِّصٌ بِهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَإِذَا ذُكِرَتِ النَّفْسُ تَخَصَّصَ الِاخْتِيَارُ لَهَا فَيَقَعُ.

وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ أَوِ التَّطْلِيقَةِ أَوِ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَمَّا ذِكْرُ النَّفْسِ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الِاخْتِيَارَةُ فَلِأَنَّ الْهَاءَ تُنْبِئُ عَنِ التَّفَرُّدِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ مَرَّةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى، فَصَارَ مُفَسَّرًا مِنْ جَانِبِهِ.

وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِالتَّخْيِيرِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهَا: أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي يَحْتَمِلُ الْوَعْدَ فَلَا يَكُونُ جَوَابًا مَعَ الِاحْتِمَالِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا إِيجَابًا وَجَوَابًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: ٢٨] الْآيَةَ، " بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَقَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكِ بِشَيْءٍ، فَمَا عَلَيْكِ أَلَّا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ "، فَقَالَتْ: " أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>