للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، أَوْ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَإِنْ قَرَبَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَفِي الشَّرْعِ: الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ مُدَّةً مَخْصُوصَةً، وَقِيلَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُكْسِبِ لِلطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَالِاسْمُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ.

وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ: لَا أَقْرَبُكِ، لَا أُجَامِعُكِ، لَا أَطَؤُكِ، لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ، لَا أَفْتَضُّكِ، إِنْ كَانَتْ بِكْرًا.

وَالْكِنَايَةُ: لَا أَمَسُّكِ، لَا آتِيكِ، لَا أَدْخُلُ بِكِ، لَا أَغْشَاكِ، لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكِ شَيْءٌ، لَا أَبِيتُ مَعَكِ عَلَى فِرَاشٍ، لَا أُضَاجِعُكِ، لَا أَقْرَبُ فِرَاشَكِ. وَنَحْوَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ النِّيَّةِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَكِ. لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا بِغَيْرِ مُمَاسَّةٍ بِأَنْ يَلُفَّ عَلَى ذَكَرِهِ حَرِيرَةً وَلِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالْمُولِي مَنْ يَقِفُ حِنْثُهُ عَلَى الْجِمَاعِ خَاصَّةً. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ إِلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ إِنَّمَا تَنْتَهِي بِالْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ إِلَّا بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَيَتَحَقَّقُ الظُّلْمُ.

قَالَ: (إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، أَوْ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] الْآيَةَ، فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْمُدَّةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَائِدَةٌ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ يَقُولُ: فَلِلَّهِ عَلِيَّ صَوْمُ كَذَا، أَوْ يَجْعَلُ الْجَزَاءَ صَدَقَةً، أَوْ عِتْقَ عَبْدٍ، أَوْ طَلَاقَهَا أَوْ طَلَاقَ غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْحَمْلُ أَوِ الْمَنْعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُوجِبُ ذَلِكَ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إِلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ، وَإِذَا وُجِدَتِ الْيَمِينُ فَقَدْ وُجِدَ الْإِيلَاءُ فَدَخَلَ تَحْتَ النَّصِّ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ مُولٍ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إِيجَابُهَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ حَتَّى لَا يَحْلِفَ بِهَا عَادَةً فَصَارَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.

(فَإِنْ قَرَبَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ) لِوُجُودِ شَرْطِهِ، (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْحِنْثَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ، (وَبَطَلَ الْإِيلَاءُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ.

(وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ) ، هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: ٢٢٧] أَيْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ بِالْإِيلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>