للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إِنْ كَانَ هُوَ النَّاشِزَ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ النَّاشِزَةَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا حَلَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ بِالْتِزَامِهَا، وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ، فَإِذَا بَطَلَ الْبَدَلُ فِي الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا وَفِي الطَّلَاقِ يَكُونُ رَجْعِيًّا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَيَصِحُّ مَعَ غِيبَتِهَا، فَإِذَا بَلَغَهَا كَانَ لَهَا خِيَارُ الْقَبُولِ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا.

وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى الْوَقْتِ كَقَوْلِهِ: إِذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إِذَا جَاءَ فُلَانٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، يَصِحُّ، وَالْقَبُولُ إِلَيْهَا إِذَا قَدُمَ فُلَانٌ أَوْ جَاءَ غَدًا، وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهَا تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا مِنَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ حَالَ غَيْبَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ مِنْهَا بِشَرْطٍ وَلَا الْإِضَافَةُ إِلَى وَقْتٍ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَيَمِينٌ وَلَا خِيَارَ فِيهِمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْخِيَارُ لَهَا صَحِيحٌ، فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ، لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ مِنْ جَانِبِهِ تَمْلِيكٌ مِنْ جَانِبِهَا فَيَجُوزُ الْخِيَارُ لَهَا دُونَهُ.

قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إِنْ كَانَ هُوَ النَّاشِزَ) قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ عَمَلًا بِالنَّصِّ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ هِيَ نَهْيُ تَوْبِيخٍ لَا تَحْرِيمٍ، (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ النَّاشِزَةَ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ، وَقِيلَ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى ثَابِتٍ، فَقَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُهَا حَدِيقَةً، فَقَالَ لَهَا: " أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ أَمْرَكِ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةٌ، قَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتَهَا وَلَا تَزْدَدْ وَخَلِّ سَبِيلَهَا. فَفَعَلَ وَأَخَذَ الْحَدِيقَةَ، فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: ٢٢٩] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] » .

(وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا حَلَّ لَهُ) بِمُطْلَقِ الْآيَةِ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) لِمَا قُلْنَا، (وَيَلْزَمُهَا الْمَالُ بِالْتِزَامِهَا) وَلِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالطَّلَاقِ إِلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْمَالُ الْمُسَمَّى، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فَيَلْزَمُهَا.

قَالَ: (وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ دُونَ حَالِ الْخُرُوجِ، فَإِذَا صَلُحَ بَدَلًا لِلْمُتَقَوِّمِ فَلِأَنْ يَصْلُحَ لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى.

قَالَ: (فَإِذَا بَطَلَ الْبَدَلُ فِي الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا، وَفِي الطَّلَاقِ يَكُونُ رَجْعِيًّا) وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهِ، أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِقَبُولِهَا وَقَدْ وُجِدَ، وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فِي الْخُلْعِ فَلِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالرَّجْعِيُّ فِي الطَّلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>