فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَالْعَوْدُ الَذِي تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا، وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ وَتُطَالِبَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
إِذَا أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَتَفَرَّقَ أَهْلِي وَكَبُرَتْ سِنِّيِ ظَاهَرَ مِنِّي وَقَدْ نَدِمَ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاهُ تُنْعِشُنِي بِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا قَالَ لَهَا: حَرُمْتِ عَلَيْهِ هَتَفَتْ وَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَشِدَّةَ حَالِي، وَإِنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ جَاعُوا، وَجَعَلَتْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ فَأَنْزِلْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ، فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي أَوْسٍ قُرْآنًا وَتَلَا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١] الْآيَاتِ» ، وَالظِّهَارُ جَائِزٌ مِمَّنْ يَجُوزُ طَلَاقُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الزَّوْجَةِ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ.
قَالَ: (فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَرَأَى خَلْخَالَهَا فِي الْقَمَرِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُحَرَّمًا وَالْأَفْعَالُ الْمُحَرَّمَةُ تُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] .
قَالَ: (وَالْعَوْدُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» ، نَهَى عَنِ الْوَطْءِ إِلَى غَايَةِ التَّكْفِيرِ فَتَنْتَهِيَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بِالتَّكْفِيرِ، (وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَتُطَالِبَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَيَجْبِرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهَا) إِيفَاءً لِحَقِّهَا، وَكُلُّ مَا لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِيهِ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُصَدِّقَهُ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ الْإِخْبَارَ عَمَّا مَضَى بِكَذِبٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَصُدِّقَ دِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ مُظَاهِرٌ، أَوْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَلَوْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوِ ابْنُهُ أَوْ بِابْنَةِ مَزْنِيَّتِهِ فَهُوَ مُظَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِهَا يُنَفَّذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنِ الْمَرْأَةِ تَقُولُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ كَالطَّلَاقِ. وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَصَحَّ أَنْ تُوجِبَهَا عَلَى نَفْسِهَا. وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فَقَالَ: هُمَا شَيْخَا الْفِقْهِ أَخْطَئا، عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لِأَنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِذَا وَطِئَهَا.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute