وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِالْعِتْقِ، وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَكِتَابَتُهَا، وَتَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا تَسْعَى فِي دُيُونِهِ، وَحُكْمُ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ حُكْمُهَا، وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ (ز) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَيُقَالُ: أُمُّ وَلَدِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ لَهَا الْحُرِّيَّةَ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» ، وَلَمْ يَثْبُتِ النَّسَبَ فَلَا يَثْبُتُ التَّبَعُ. وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ فَلِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِحُكْمِ الْجُزْئِيَّةِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِالْعِتْقِ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِالْعِتْقِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا بِوَجْهٍ مَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَ: لَا يُعَرْنَ وَلَا يُبَعْنَ» ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا إِنَّ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَرَامٌ، وَلَا رِقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ حِينَ وَلَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَا يَسْعَيْنَ فِي الدَّيْنِ، وَلَا يُجْعَلْنَ مِنَ الثُّلُثِ» . وَرَوَى عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ فِي الدَّيْنِ، فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ فِي الْفُرْقَةِ، قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ السَّلْمَانِيَّ لَفَقِيهٌ، وَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَكِتَابَتُهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا كَالْمُدَبَّرَةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ، وَالْكِتَابَةُ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُفَارِقْ مَارِيَةَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ.
قَالَ: (وَتُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا تَسْعَى فِي دُيُونِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، (وَحُكْمُ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ حُكْمُهَا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الْأُمِّ يَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ. قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ) لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ. وَقَالَ زُفَرُ: تُعْتَقُ لِلْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، لِأَنَّ زَوَالَ رِقِّهِ عَنْهَا وَاجِبٌ بِالْإِسْلَامِ إِمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ بِالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ الْعِتْقُ. وَلَنَا أَنَّ مَا قُلْنَاهُ نَظَرٌ لَهُمَا، لِأَنَّ ذُلَّ الرِّقِّ يَنْدَفِعُ عَنْهَا بِجَعْلِهَا مُكَاتَبَةً لِأَنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً يَدًا، وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنِ الذِّمِّيِّ فَتَسْعَى فِي الْأَدَاءِ لِتَنَالَ الْحُرِّيَّةَ، وَلَوْ قُلْنَا بِعِتْقِهَا فِي الْحَالِ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَتَوَانَى عَنِ الِاكْتِسَابِ وَالْأَدَاءِ إِلَى الذِّمِّيِّ فَيَتَضَرَّرُ، وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ وَهُوَ يَكْفِي لِلضَّمَانِ، كَمَا إِذَا عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْقِصَاصِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute