وَسَبَبُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْعَقْدُ. وَصُورَتُهُ: إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ فَقَالَ: أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إِذَا مِتُّ، وَتَعْقِلُ عَنِّي إِذَا جَنَيْتُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، فَإِذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَرِثَهُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ، فَذَلِكَ جَرُّ وَلَاءِ مُعْتِقِ مُعْتَقِهَا.
وَلَوْ أَعْتَقَتِ الْأُمُّ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مَوَالِيهَا أَبَدًا لِأَنَّ الْعِتْقَ وَرَدَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا مُتَّصِلًا بِهَا وَقْتَ الْعِتْقِ فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ كَمَا إِذَا أَعْتَقَهُ قَصْدًا، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ إِذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعِتْقِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَا إِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ.
وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ، وَالنَّسَبُ إِلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إِثْبَاتُهُ إِلَى الْأَبِ لِمَانِعٍ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْوَلَاءُ إِلَى الْأَبِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ كَوَلَدِ الْمُلَاعِنَةِ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَكْذَبَ الْأَبُ نَفْسَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ. وَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَأَى بِخَيْبَرَ فِتْيَةً لُعْسًا أَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ، وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ جُهَيْنَةَ أَوْ لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ لَهُمُ انْتَسِبُوا إِلَيَّ، فَقَالَ رَافِعٌ: بَلْ هُمْ مَوَالِيَّ، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ مِنْ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَلَا يَكُونُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْعَلُوا الصِّغَارَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ وَنُوحٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُمَا جَدَّانِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِلْجَدِّ، وَيَجُرُّ الْجِدُّ وَلَاءَهُ لِأَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ.
قَالَ: (وَسَبَبُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْعَقْدُ) وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ التَّنَاصُرُ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مُعْتِقٌ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى فَيَمْنَعُ ثُبُوتَ الْأَضْعَفِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُسْتَرَقُّونَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ أَوْلَى.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْتَسِبَ إِلَى أَحَدٍ وَلَا يَكُونَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «سُئِلَ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: " هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتُهُ إِنْ وَالَاهُ» أَيْ بِمِيرَاثِهِ لَا بِشَخْصِهِ. وَرُوِيَ «أَنْ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَوَالَاهُ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُوَ أَخُوكَ وَمَوْلَاكَ تَعْقِلُ عَنْهُ وَتَرِثُهُ» .
(وَصُورَتُهُ: إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ فَقَالَ: أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إِذَا مِتُّ، وَتَعْقِلُ عَنِّي إِذَا جَنَيْتُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ) ، وَكَذَا إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَى غَيْرَهُ صَحَّ، (فَإِذَا مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَرِثَهُ) لِمَا رَوَيْنَا، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي الْفَرَائِضِ، وَيَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْوَلَاءِ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ لِلتَّبَعِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute