للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا فَحَدُّهُ الْجَلْدُ مِائَةٌ لِلْحُرِّ وَخَمْسُونَ لِلْعَبْدِ، وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا يُفَرِّقُهُ عَلَى أَعْضَائِهِ إِلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مُهْلِكًا، وَلَا كَذَلِكَ الرَّجْمُ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إِذَا كَانُوا مَرْضَى أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ ظَاهِرٍ زَالَتِ التُّهْمَةُ، وَلَا كَذَلِكَ لَوْ مَاتُوا لِاحْتِمَالِ الرُّجُوعِ أَوِ الِامْتِنَاعِ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً؛ وَلَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مِنْهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ وَيُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

قَالَ: (وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ حُفْرَةً إِلَى صَدْرِهَا وَأَخَذَ حَصَاةً مِثْلَ الْحِمَّصَةِ فَرَمَاهَا بِهَا وَقَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ، فَلَمَّا طَعَنَتْ أَخْرَجَهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ» وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْبَطَ الْمَرْجُومُ وَلَا يُمْسَكَ وَلَا يُحْفَرَ لِلرَّجُلِ لَكِنَّهُ يُقَامُ قَائِمًا ثُمَّ يُرْجَمُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِمَاعِزٍ، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ هَرَبَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَيُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ. «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَاعِزٍ: " اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ، فَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ غُفِرَ لَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ مَقْتُولٌ بِحَقٍّ فَصَارَ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا.

قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا فَحَدُّهُ الْجَلْدُ مِائَةٌ لِلْحُرِّ وَخَمْسُونَ لِلْعَبْدِ) قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْإِمَاءِ: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] .

قَالَ: (يُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسَّطًا يُفَرِّقُهُ عَلَى أَعْضَائِهِ إِلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَسَرَ ثَمَرَةَ السَّوْطِ لَمَّا أَرَادَ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِهِ " وَالْمُتَوَسِّطُ مِنَ الضَّرْبِ بَيْنَ الْمُتْلِفِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الِانْزِجَارُ بِدُونِ الْهَلَاكِ. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا جَمَعَ الضَّرْبَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ غَيْرُ مُتْلِفٍ، وَلِيُدْخِلَ الْأَلَمَ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ كَمَا وَصَلَتِ اللَّذَّةُ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَّقِي الْأَعْضَاءَ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ فِيهَا التَّلَفُ، أَوْ تَلَفُ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ، إِذِ التَّلَفُ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ فَالرَّأْسُ وَالْفَرْجُ مَقْتَلٌ، وَالْوَجْهُ مَكَانُ الْبَصَرِ وَالشَّمِّ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضْرِبُ الرَّأْسَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " اضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ " وَلِأَنَّهُ لَا يُخْشَى التَّلَفُ بِسَوْطٍ وَسَوْطَيْنِ، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ، وَأَثَرُ الصِّدِّيقِ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ رَاعِيًا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>